الثورة-أسماء الفريح:
كشف تحقيق لبي بي سي أن منظمة قرى الأطفال SOS الدولية تورطت في احتجاز أطفال معتقلين سياسيين في سوريا وتغيير هوياتهم وحرمان ذويهم من التواصل معهم خلال حكم نظام المخلوع بشار الأسد.
تقول البي بي سي: إن مؤسسة “لحن الحياة” هو واحد من عدة مراكز رعاية أطفال في سوريا استُخدمت لاحتجاز أبناء المعتقلين خلال الفترة التي امتدت من 2011 إلى 2024 ، مضيفة أنه بدلاً من تسليم الأطفال لأقاربهم، جرى احتجازهم في دور أيتام واستخدامهم كورقة سياسية.
وذكرت أنه في بعض الحالات، تم تسجيل الأطفال زوراً كأيتام، أو تم تغيير هوياتهم، ما يجعل تعقبهم في ذلك الوقت وحتى اليوم أمراً بالغ الصعوبة.
ويشير التحقيق إلى قيام ريم القاري وابنة عمها لمى بتفقد عشرات الصور المبعثرة لأطفال على مكتب في الدار المذكورة على أمل العثور على صورة لطفل يشبه كريم، ابن ريم المفقود.
كريم كان في الثانية والنصف من عمره عندما اختفى مع والده عام 2013 في سوريا، وهو واحد من أكثر من 3,700 طفل لا يزالون في عداد المفقودين منذ سقوط الأسد قبل عشرة أشهر وسيكون عمره اليوم 15 عاماً.ويبين تحقيق ال بي بي سي أنه بعد سقوط الأسد في كانون الأول 2024، أصبح بإمكان الصحفيين والنشطاء وعائلات المفقودين الوصول إلى مصادر ومواقع ووثائق لم يكن من الممكن تخيلها في ظل حكمه المستمر لعقود، موضحة أنها عملت مع منظمة التحقيقات الصحفية “لايت هاوس ريبورتس” وخمس مؤسسات إعلامية أخرى لبناء قاعدة بيانات تضم 323 طفلاً أخفاهم النظام المخلوع عن أقاربهم في شبكة من دور الأيتام، حيث تم ذلك من خلال مراجعة آلاف الوثائق المسرّبة والمجمّعة، والتحقق من صحتها.
وتُظهر تحليلات هذه الوثائق أن المنظمة التي كانت تدير دور الأيتام والتي استقبلت العدد الأكبر من الأطفال كانت مؤسسة خيرية دولية مقرها النمسا، تُدعى “قرى أطفال SOS الدولية”، وتعمل في أكثر من 130 دولة، وتجمع نحو 1.6 مليار يورو (1.9 مليار دولار) سنوياً، من بينها تمويل من الأمم المتحدة، وحكومات أوروبية، وتبرعات فردية.
ويقول التحقيق: “لقد تحدثنا إلى أكثر من 50 مُبلّغاً من داخل قرى “إس أوه إس”و قال عدد منهم: إن معظم المناصب العليا في “إس أوه إس” بسوريا عُيّنت مباشرة من قبل قصر الأسد، وإن أسماء الأسد – التي فرض عليها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات إلى جانب زوجها بشار بسبب انتهاكات حقوق الإنسان – كانت تلعب دوراً مؤثراً في المنظمة، كما أُبلغنا بأن الجمعية بدأت بـ”إدخال أي طفل” بغض النظر عن حالته، بهدف الحصول على تمويل أكبر.وبعد نفي عن وجود صلة رسمية بينها وبين عائلة الأسد، اعترفت منظمة “إس أوه إس” بالفعل، بعد مراجعة داخلية، بأنها استقبلت 140 طفلًا دون وثائق ثبوتية مناسبة في سوريا بين عامي 2013 و2018، وقالت: إن 104 من هؤلاء الأطفال أُعيدوا لاحقاً إلى أجهزة الاستخبارات السورية أو إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وإن المنظمة لم تعد تملك أي معلومات عن أماكن وجودهم حالياً.
كما ذكرت المنظمة أنها توقفت عن استقبال أطفال المعتقلين السياسيين في عام 2018 لكن البي بي سي اطلعت على وثائق تُشير إلى استمرار نقل الأطفال إلى “إس أوه إس” حتى عام 2022. وتابعت بي بي سي: “ثبت لنا أيضاً أن “إس أوه إس” سوريا وعند تلقي طلب من حكومة الأسد أو أجهزته الأمنية لإعادة الأطفال، لم تتحقق من الجهة التي ستتولى رعايتهم بعد ذلك، كما أنها استقبلت أطفالاً كانت على علم بأن هوياتهم قد تم تغييرها، وفي إحدى الحالات منحت بنفسها طفلاً تحت رعايتها اسماً رسمياً مختلفاً.
وقالت إن المنظمة التزمت بتعليمات الأجهزة الأمنية السورية برفض زيارة الأقارب، وحرمانهم من حق الحضانة، أو من الحصول على أي معلومات عن الأطفال ومنعت الموظفين من عرض صور العائلات على الأطفال أو التحدث معهم عن عائلاتهم، كما كانت بطيئة أو امتنعت عن التعاون مع الأمهات اللواتي يبحثن عن معلومات يمكن أن تساعدهن في العثور على أطفالهن منذ سقوط الأسد.
وأورد التحقيق رد المنظمة الدولية التي قالت:”نحن نأسف بشدة لأن الأطفال فُصلوا قسراً عن عائلاتهم، وأن هذه العائلات أمضت سنوات دون أن تعرف مكان أبنائها.. لم يكن يجب أن يحدث هذا أبداً، ونحن ملتزمون باستخلاص الدروس من التحقيقات المستقلة لضمان عدم تكرار ذلك مستقبلاً.”وأضاف الرئيس التنفيذي المؤقت للمنظمة، بونوا بيو، في مقابلة مع بي بي سي أن الجمعية كانت تنفّذ أوامر الحكومة السورية، التي وصفها بأنها كانت تعمل تحت “نظام رعب” في عهد الأسد.ويؤكد التحقيق أنه لا يزال كثير من الأهالي يجهلون تماماً ما حدث لأطفالهم، فمستنقع السجلات المزوّرة أو المفقودة للأطفال المفقودين في سوريا ترك الأمهات والآباء الناجين يتنقلون من مؤسسة إلى أخرى بحثاً عن أي معلومة، مهما كانت ضئيلة.
ويقول إنه من بين هؤلاء ريم، التي لا تزال تبحث عن ابنها كريم وليس بإمكانها أن تعرف ما إذا كان قد أُودع لدى”إس أوه إس” أو في أي مؤسسة أخرى في سوريا كانت تستقبل أبناء المعتقلين.
وعلى عكس ريم، فقد تمكّنت أمامة غبيس من استعادة أطفالها لاحقاً لكنها تقول إنها أمضت أول عامين من أصل ثلاث سنوات في السجن – بسبب عمل شقيقها في المجال الإنساني – دون أن تعرف أين ذهب أطفالها.تتابع أمامة إنها لا تستطيع أن تسامح الجمعية على ما مرّ به أطفالها، وهي تجارب تشبه ما رواه لنا أهالٍ آخرون ممن أُودع أطفالهم في رعاية “إس أوه إس”, وتضيف “أعلم أنها منظمة إنسانية، ممولة من الخارج.. يعني إنها تملك نفوذاً.. ليست منظمة أنشأها النظام.. تورُّطها في اختفاء أبناء المعتقلين لا يُغتفر.”