الثورة – سامر البوظة:
اعتقالات للنساء والأطفال تهجير عوائل بأكملها عمليات قتل ميداني وتمثيل بالجثث، حرق ونهب للمنازل بشكل ممنهج، هذا باختصار ما تعرضت له العشائر البدوية في السويداء في الـ17 من تموز الماضي على يد مقاتلي الفصائل المحلية المرتبطة بالمجلس العسكري في السويداء نتيجة الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي من المحافظة حقنا للدماء، ليتضح فيما بعد أن الموضوع أبعد من ذلك وأن ما جرى لم يكن مجرد حدثاً عابراً أو من قبيل الصدفة، بل كل شيء مدروس ومعد مسبقا وهناك خطة خبيثة ومنظمة لطرد البدو بالقوة من المحافظة، وهو ما كشفه الاجتماع السري الذي تم في إحدى المزارع بقيادة الشيخ حكمت الهجري وبمشاركة قادة الفصائل المرتبطة به، وذلك بحسب تحقيق نشرته “الثورة” يوم أمس.
شرارة الأحداث بدأت عندما أقدم مسلحون بدو على مهاجمة شاحنة خضارعلى طريق دمشق – السويداء واعتدوا على سائقها المنتمي إلى الطائفة الدرزية وسرقوا الشاحنة ليرد “الدروز” بعد ساعات بخطف عدد من البدو، ليتبعهم البدو بخطف مماثل لتتطور الأمور بين الطرفين بشكل خطير وتنتقل من الخطف إلى مواجهات عنيفة غرب السويداء وداخلها تخللها قصف للقرى والأحياء البدوية وسقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين بينهم مدنيون،
الأمر الذي دفع الدولة للتحرك العاجل لوقف المجازر حيث دخلت قوات الجيش والأمن السوري في الـ14 من تموز إلى المحافظة لمحاولة فرض النظام كقوة فصل وانتشرت في أرياف السويداء الغربية لكنها اصطدمت برفض الفصائل المحلية المسلحة المرتبطة بالهجري، وتعرضت تلك القوات لكمائن انتهت بمقتل وأسر عدد من عناصرها وسط انتشار مقاطع فيديو عن تمثيل بالجثث وعمليات قتل ميداني، جاء ذلك بالتزامن مع استهداف الطائرات المسيرة الإسرائيلية للقوات الحكومية داخل السويداء امتد بعد ذلك لدمشق ليطال مبنى وزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي في رسالة تهديد واضحة، فما كان من القيادة العسكرية إلا أن قررت سحب القوات من المدينة صبيحة 17 تموز 2025 وذلك تماشياً مع المصلحة الوطنية العليا،وهو ما أعلنه الرئيس أحمد الشرع في خطابه المتلفز والذي أعلن فيه أن قوى الجيش والأمن خفضت مهامها في السويداء ومسؤولية الأمن أحيلت إلى الفصائل المحلية ومشايخ العقل، مشدداً على محاسبة كل من انتهك حقوق “الدروز”، ومؤكدا أن السويداء جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن، في محاولة منه لطمأنة المجتمع المحلي وامتصاص التوتر.لكن كل ذلك لم يلق أذاناً صاغية لدى فصائل الهجري، فواصلوا تعنتهم ورفضوا كل المبادرات التي تقدمت بها الحكومة لإنهاء الأزمة، الأمر الذي يضع العديد من إشارات الاستفهام ويؤكد في نفس الوقت أن هناك خفايا وأموراً أبعد ذلك، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها تلك الأمور، وذلك بحسب أهالي المنطقة نفسهم، فلماذا اليوم وفي هذا التوقيت؟ فمن الواضح أن الموضوع مجرد خلاف بين “البدو” و”الدروز” بل أعمق من ذلك بكثير وأن هناك مخططاً خطيراً يحيكه الهجري برعاية وحماية ودعم مباشر وعلني من كيان الاحتلال والذي يتوافق مع المصالح والأطماع التوسعية الإسرائيلية، وهو ما تؤكده تصرفات وتصريحات قادة الكيان العلنية.
أمام تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية وتنامي الاحتقان الداخلي اعتبر المحلل العسكري ضياء قدور في حديثه لـ “الثورة” أن “الانسحاب العسكري من السويداء لا يمكن قراءته كقرار معزول أو ارتجالي، بل هو ثمرة تقدير استراتيجي دقيق للواقع السياسي والأمني في سوريا”.لكن انسحاب قوات الجيش والأمن السوري خلف فراغاً أمنياً في المنطقة وهو ما استغلته الفصائل المحلية المسلحة فقامت بانتهاكات بحق البدو تمثلت بالقتل العشوائي وقطع رؤوس الأطفال وبقر بطون الحوامل وحرق ونهب للمنازل وتهجير قسري واعتقال تعسفي بحق النساء والأطفال وكبار السن في أكثر من تسع قرى وأحياء بينهم حي المقوس وشهبا وسهوة بلاطة والكفر وغيرها من القرى وذلك بحسب شهادات عدد من الناجين من المذبحة.
صور الجرائم والانتهاكات تلك تم استثمارها بشكل قذر في بعض وسائل الإعلام مبررة أن تلك الصور كانت رد فعل على الانتهاكات التي قام بها عناصر الجيش والأمن، لكن الوقائع كانت عكس ذلك وبالوثائق والأدلة، وكل ذلك لتمرير مخطط الهجري الانفصالي وأتباعه، والذي يهدف بشكل مباشر إلى التقسيم والانسلاخ عن الوطن الأم سوريا، والذي يتناغم بشكل أو آخر مع الأهداف والأطماع الإسرائيلية، وهو ما تؤكده تفاصيل الاجتماع السري في “المزرعة” وما سبقه من شحن وتحريض طائفي على وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولة شيطنة الآخر.
ما حدث مع البدو في السويداء هو جريمة موصوفة بحق الإنسانية والتهجير القسري للأبرياء وطردهم من بيوتهم والتغيير الديموغرافي الممنهج تحت حجج ومبررات واهية “كالحفاظ عل السلم الأهلي” لم تعد تقنع أحداً، فالنوايا باتت مكشوفة، والأهداف واضحة، ويوماً بعد يوم تتكشف الحقائق والخفايا، وعلى الهجري ومن لف لفه أن يعلموا أن سوريا ستبقى عصية على التقسيم، وما يسعى إليه سيبقى في أحلامه وأوهامه، فهو لا يمثل إلا نفسه ومن معه، والسويداء بأبنائها البررة ستبقى مكون وجزء لا يتجزأ من سوريا شاء من شاء وأبى من أبى، وأهالي الجبل الأشم الشرفاء لم ولن يكونوا في يوم من الأيام شركاء في تلك المخططات القذرة، وهم من سيقفون في وجه تلك المخططات، والأيام ستشهد.