الثورة – إخلاص علي:
ما بين الوعود الحكومية المتكررة والواقع الاقتصادي المزري يبقى ملف القروض المتعثرة أكبر التحديات التي تواجه الحكومة، وأكبر اختبار لقدرتها على المعالجة بواقعية وعدالة بعيداً عن أخطاء الماضي.
ومع تشكيل لجنة استشارية لمعالجة مشكلة القروض المتعثرة، تبرزعدة تساؤلات حول الآفاق التي ستسلكها الجهات المعنية لحل هذه الأزمة؟، وكيف يمكن أن تتحول لجنة المعالجة الجديدة إلى نقطة تحول حقيقية تُخرج الاقتصاد من نفق التعثر وتعيد للمصارف العامة دورها وهيبتها؟.
مشكلة مركبة
وفي هذا السياق يرى الخبير المصرفي والمالي أنس الفيومي، أن الموضوع أكثر تعقيداً مما يتصوّره البعض لأنه يرتبط بعدة أطراف وإجراءات انحرفت عن مسارها ولم تُنفَّذ بالشكل المطلوب.
وأكد الفيومي خلال حديثه لـ”الثورة” أن القروض التي مُنحت لم تكن عبثاً، بل تمت “ضمن تعليمات المصارف العامة التنفيذية”، وكانت لها ضمانات عقارية متوفرة، وينفي وجود مسؤولية إدارية أو مسلكية على العاملين، الذين أصبحوا كبش فداء في هذا الملف، مضيفاً: إن قرار الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الذي قضى بكف يد هؤلاء لفترات طويلة، أسهم بإضعاف فرصهم الوظيفية رغم تفانيهم، في إشارة واضحة إلى تهميش أبطال الأزمة الحقيقيين.
في المقابل، كانت الحكومة نفسها- حسب ما أوضح المختص في الشأن المالي- تضغط أو تُوصي بمنح قروض كبيرة رغم المخاطر، بهدف تجاوز معوقات تمويل المشروعات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، هذا الأمر يزيد تعقيد الملف، إذ إن الأغلبية المطلقة من القروض الكبيرة تمّت بناءً على توجيهات حكومية.
الأصعب في الحل
وحول القروض الممنوحة من وحدة تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة والممولة من بنك الاستثمار الأوروبي، قال الفيومي: تلك القروض تشكل واحداً من أصعب الملفات التي تواجه اللجنة المكلّفة بالمعالجة، إلا أنها ليست مستعصية على الحل، خصوصاً أن المصارف العامة لم تكن هي مصدر التمويل المباشر، بل كانت وسيطة أو وكيلة فقط، ما يتيح مجالاً للتفاوض والتسوية بين المقترضين والمصارف.
وفيما يخص القروض التي مُنحت بالليرة السورية، أوضح الفيومي أن هناك أكثر من أسلوب معالجة يمكن تبنّيها، بما فيها (التسوية، الإعفاء)، أو غيرها من الحلول المنصوص عليها في قرار وزير المالية، خاصةً أصحاب القروض الشخصية التي استُخدمت لأغراض استهلاكية قد يجدون في هذه الإجراءات “معالجة خاصة” تراعي وضعهم، ما يبعث بارقة أمل لتخفيف العبء المالي.
وختم الفيومي بالتأكيد على ضرورة إغلاق ملف القروض المتعثرة للحفاظ على استقرار النظام المالي وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، رغم ما شهده الملف من تراكمات ومخاطر، إلا أن الحلول الوسطية التي تجمع بين مصلحة المصارف وحاجات المقترضين قابلة للتحقق، شريطة الالتزام بمبادئ العدالة والشفافية، والعمل المشترك بين الجهات الحكومية والمصرفية.
حلّ عاجل وحكيم
في جعبة الأزمة السورية الكثير من الملفات الشائكة، ولكن ملف القروض المتعثرة يظل من أكثر الملفات التي تتطلب حلاً عاجلاً وحكيماً، بعيداً عن الممارسات السابقة التي زادت من عمق المشكلة، واللجنة الاستشارية التي أُنشئت تحت مظلة وزير المالية تحمل على عاتقها مسؤولية ضخمة تتطلب الحكمة والشفافية لتقديم حلول وسطية توازن بين مصلحة المصارف واحتياجات المقترضين، ففي الوقت الذي يسعى فيه الاقتصاد لاستعادة عافيته، فإن إغلاق هذا الملف قد يكون أحد الخطوات الأساسية نحو بناء نظام مالي متين.
ويبقى الأمل معقوداً على أن تتحول تلك الرؤية إلى واقع ملموس ينعكس إيجاباً على حياة السوريين ومستقبل بلادهم الاقتصادي.