الثورة – لينا شلهوب:
شهد قطاع النقل الداخلي في محافظة دمشق خلال الفترة الأخيرة، جدلاً واسعاً بعد طرح مقترح من لجنة النقل في المحافظة، يقضي بتخفيض تعرفة الركوب على بعض الخطوط، هذا المقترح الذي استبشر به كثير من المواطنين أملاً في التخفيف من الأعباء المعيشية المتراكمة، اصطدم بواقع اقتصادي متقلّب، سرعان ما دفع الجهات المعنية إلى التريث، نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات والتذبذب الملحوظ في سعر الصرف.
حالت من دون تثبيت قرار
بحسب ما أوضحه المسؤول في لجنة النقل بمحافظة دمشق وسيم المبيض، فإن البرنامج المعتمد لحساب تعرفة النقل الداخلي يرتكز على عدة معايير أساسية، أبرزها طول الخط، وطبيعة الطريق، إضافة إلى كمية الوقود المستهلكة، فضلاً عن تكاليف الصيانة، والعامل البشري، ورغم أن الحسابات النظرية أظهرت إمكانية خفض جزء من التعرفة لتخفيف الضغط عن الركاب، إلا أن تقلّبات السوق حالت دون تثبيت قرار رسمي، فارتفاع أسعار المحروقات خلال فترة وجيزة قلّص الفارق المتوقع من التخفيض، وجعل أي إجراء في هذا الاتجاه محفوفاً بالمخاطر، سواء على السائقين أو على استمرارية الخدمة.
الواقع المالي
عدد من المعنيين في قطاع النقل، يرون أن الاستقرار الاقتصادي شرط أساسي لإقرار أي تخفيض، فالنقل يعتمد بشكل مباشر على المشتقات النفطية التي تمثل العمود الفقري للتكلفة التشغيلية. ويشير بعض أصحاب الميكروباصات خلال لقاء لصحيفة الثورة في دمشق، ومنهم تيسير العوام، وفريد الصائغ، إلى أن التعرفة الحالية بالكاد تغطّي كلفة الوقود والصيانة، وأي خفض غير مدروس قد يؤدي إلى امتناع السائقين عن العمل على خطوط معينة، ما يفاقم أزمة الازدحام ويزيد الضغط على المواطنين.
من جهة أخرى، يوضّح بعض أعضاء اللجنة أن الهدف الأساسي من دراسة التخفيض كان إرسال إشارة إيجابية للمواطنين، بأن الدولة تتابع همومهم وتبحث عن حلول عملية، لكن الواقع المالي لم يسعف تنفيذ هذا التوجه في الوقت الراهن.
بين التفهم والاستياء
العديد من المواطنين، انقسمت آراؤهم بين التفهّم والاستياء من هذا القرار، فشريحة واسعة ترى أن أي خفض في التعرفة، ولو بسيط، يشكّل بارقة أمل في ظل الغلاء المتصاعد، وتراجع القدرة الشرائية، فالموظف الذي يستخدم وسيلتي نقل يومياً للوصول إلى عمله وإنفاقه على المواصلات، بات يستنزف جزءاً كبيراً من راتبه الشهري في هذه الناحية وحدها، علاوة على أن معظمهم لديهم أبناء في المدارس والجامعات وهؤلاء يحتاجون للمواصلات والتنقل، وبالتالي تفاقم الإنفاق على المواصلات، في المقابل، يدرك كثير من الركاب أن الواقع الاقتصادي المضطرب يجعل من الصعب توقّع ثبات الأسعار، فيما يعبر بعضهم عن مخاوف من أن أي تخفيض سريع قد يتبعه رفع أكبر في حال ارتفعت أسعار الوقود مجدداً، وهو ما سيجعلهم يعيشون حالة من عدم الاستقرار المالي المستمر.
تتابع مجموعة أخرى من المواطنين والشباب الذين يستخدمون في تنقّلهم إلى أماكن عملهم أو جامعاتهم، المواصلات بشكل يومي، ومنهم يزن العيد، وحازم أبو عواد، وأنس يوسف وغيرهم، أن تثبيت التعرفة الحالية معلّق على توازن حساس بين مصلحة السائقين، وحاجة المواطنين، ففي حال تم اعتماد خفض فعلي، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على شريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود، ويقلل من الأعباء المعيشية المتراكمة، ولو بشكل جزئي، كما أن ذلك سيعزز ثقة المواطن بالجهات الرسمية التي تعمل على مراعاة أوضاعه، لكن في المقابل، قد يؤدي الخفض غير المدروس إلى تراجع الحافلات العاملة على بعض الخطوط، أو إلى لجوء السائقين إلى ممارسات سلبية، مثل تقليص عدد الرحلات، أو رفع الأجرة بطريقة غير رسمية لتعويض الفارق، وهذا يعني أن أي خطوة لا بد أن ترافقها رقابة صارمة وآليات دعم لضمان استمرار الخدمة بجودة مقبولة.
مرتبط بمؤشرات الاقتصادي
توقع مراقبون، ومنهم المختص في هذا الشأن بسام المصري، أن تبقى قضية التعرفة مرتبطة بشكل وثيق بمؤشرات الاقتصاد الوطني، ففي حال استقرار سعر الصرف وتراجع أسعار المحروقات نسبياً، سيكون الباب مفتوحاً أمام إصدار لصاقات جديدة تعكس تعرفة أقل وتلبي مطالب الناس، أما إذا استمر التصعيد في كلفة التشغيل، فإن النقاش حول التخفيض سيبقى مؤجلاً، وستقتصر الإجراءات على تحسين تنظيم الخطوط وتوزيع الآليات للحد من الازدحام.
ويبقى ملف النقل الداخلي في دمشق واحداً من أبرز التحديات اليومية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، وبينما ينتظر الركاب قرارات تخفف عنهم عبء الأجور المرتفعة، يقف المعنيون أمام معادلة معقّدة تحكمها أسعار الوقود وسعر الصرف، ومن الواضح أن أي حل فعّال يتطلب رؤية شاملة تجمع بين تثبيت التكاليف الأساسية من جهة، وتأمين الدعم اللازم لاستمرارية الخدمة من جهة أخرى، وحتى ذلك الحين، يبقى التريّث سيد الموقف، في انتظار ظروف أكثر ملاءمة تتيح تحقيق التوازن بين مصلحة السائق والمواطن على حد سواء.
