هل أصبحت الاستقالة شكلاً من أشكال الاحتجاج الصامت؟

الثورة – ثورة زينية:

في إحدى ضواحي العاصمة دمشق تبحث مرام عن وظيفة جديدة، هي لم تترك وظيفتها بدافع الترف أو الميول، بل لأن راتبها بعد الزيادات الأخيرة لم يعد يكفي استئجار غرفة صغيرة، في ظل ارتفاع الأسعار الفلكي.. فكيف لك أن تحلم باستقلالية، أو بداية مشروع صغير؟.

مرام 28 عاماً قالت خلال حديث لها مع صحيفة الثورة: أشعر أنني أعمل بلا توقف، فقط لأبقى على قيد الحياة من خلال تأمين المأكل والمشرب والحاجات الأساسية جداً.

ومرام ليست حالة فردية، فمع انهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين وارتفاع أسعار المواد الأساسية والتضخم المتفلت يواجه السوريون الاستقالة الصامتة، أو حتى الانسحاب النفسي من العمل، ومع أنه لا توجد حتى الآن إحصائيات رسمية مفصّلة تظهر حجم الاستقالات في سوريا فإن القرائن تشير إلى ظاهرة متنامية تستحق أن تحلل.

“الثورة” وفي السطور القادمة حاولت أن تلامس بعضاً من حيثيات هذه الظاهرة.

حقائق وأرقام من الواقع

ارتفعت رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين في حزيران 2025 بنسبة 200 بالمئة، وذلك كجزء من محاولة حكومية للتخفيف من وطأة الفقر والتضخم، ورغم ذلك تشير التقارير إلى أن الأجر الجديد غالباً ما يكون غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية، وخاصة مع ارتفاع الإيجارات وغلاء فواتير الخدمات والسلع الاستهلاكية، كما تشير بعض التقارير إلى أن البطالة في سوريا تجاوزت 37 بالمائة.

فيما يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستواه إلا بعد عقود من الجهد والنمو الكبير.

الأجر لا يساوي الأمان

ربيع موظف في وزارة الطاقة يقول: رغم الزيادات التي طرأت مؤخراً على الرواتب، راتبي الجديد ربما أفضل من السابق لكن ما زلت أجد صعوبة في تأمين الأكل والكتب المدرسية والكهرباء والماء، مضيفاً: الزيادة جاءت لكنها تأخرت كثيراً، وإن التضخم ارتقى في الفترة نفسها، إذ خنق الفرص الحقيقية للتغيير، كما أن الزيادات في الرواتب خطوة مهمة لكنها تعالَج الجزء الظاهر من الأزمة، وما لم تُصحب بسياسات لكبح التضخم وتقليل الاعتماد على الاستيراد وتحسين الإنتاج المحلي فلن تلبي هذه الزيادات حاجات الناس.

المهندس سمير بغدادي- موظف سابق، يرى أنه مع سنوات الحرب والنزوح والخسائر والأزمات الخدمية باتت الروح تنهك أسرع من الجسد، شباب يضطرون للعمل في وظائف متعددة بمردود ضعيف، بدلاً من التركيز على مسار مهني ثابت، ما يزيد الضغط النفسي ويشعل شعوراً أن الجهد لا يترجم لراحة أو إنجاز، مضيفاً: إن العمل لم يعد مجرد وظيفة لتأمين العيش، بل مساحة ليكون الإنسان محترماً، له رأي، ولا يُستغل، ولا يُحاط بالروتين الذي لا معنى له، وإن لم تلبِ الوظيفة هذه الاحتياجات وهي الاستقرار النفسي والتقدير والأمان يصبح البقاء عبئاً.

دوام البقاء صار مكلفاً

أستاذ علم النفس الاجتماعي الدكتور نهاد مروة يشير في تحليله للظاهرة إلى أن ما نلاحظه اليوم هو استقالة صامتة قبل أن تكون فعلية، وهناك أشخاص كثر لا يقدّمون أقصى جهدهم، لا يطمحون للتدريب أو الترقية، لأنهم لا يرون جدوى الربح بعد تحمل الصعوبات، موضحاً أن جيل الاستقالات في سوريا هو رد فعل علني أو ضمني على أن دوام البقاء في الوضع الراهن صار مكلفاً جداً، ليس فقط مادياً بل نفسي وإنساني.

وأضاف: إن أردنا أن تصبح الاستقالة فعلاً تغييرياً وعدم هروب إلى المجهول، فلا بد أن تصاحبها سياسات استثنائية، مثل استقرار اقتصادي، وشفافية كبيرة، وفرص عمل المنتجين محلياً، وإعادة بناء للثقة بين المواطن والمؤسسة.

تعديل ساعات العمل

خبيرة الموارد البشرية روان الحوري تعتبر أن المؤسسات تحتاج الآن أن تركّز على مرونة العمل، واعترافها أن موظفيها ليسوا آلات، ويجب الاعتراف بالأوضاع المعيشية بتوفير دعم معيشي أو تعديل ساعات العمل، حتى لا يكون الموظف دائماً في وضع الانتظار لأن الراتب يغطي أو لا يغطي، مشيرة إلى المخاطر التي تخفيها الاستقالة أو الانسحاب المهني لأن الاستقالة في سوريا غالباً ما تعني فقدان التأمين الاجتماعي أو المخاطر القانونية خاصة إذا كان العمل مرتبطاً بالدولة أو من خلال عقود رسمية.

في سوريا اليوم لا تعني الاستقالة مجرد ترك وظيفة، بل قد تكون صرخة صامتة في وجه واقع صعب ما بين أجور لا تسمن، وواقع معيشي يخنق الطموح، لايبحث السوريون عن عمل فقط بل عن معنى لحياتهم اليومية.

ومع غياب الرؤية الشاملة تبقى الاستقالة، سواء كانت فعلية أم نفسية، إحدى أخطر صور الانسحاب من المشاركة المجتمعية وناقوس خطر يجب أن يقرع بقوة قبل أن يتحوّل الصمت إلى عجز دائم.

آخر الأخبار
غــزة تحت النار .. والموت يأتي من الحصار قبل القصف  قمة الدوحة أمام اختبار التاريخ .. هل تردُّ على الغطرسة الإسرائيلية؟ السياسة السورية.. فن الممكن بصبر محسوب ودقة متقنة مستثمر يسهم في تطوير مطاحن الدولة "إسرائيل" تمعن في تقويض الاستقرار وتغتال فرص السلام 20ساعة بلا كهرباء.. هل من حلول؟ "خان الحرير- موتكس".. قناة تسويقية للمنتج السوري " وطني اللاذقية".. صرح طبي ينبض بالحياة والعناية المستمرة هل أصبحت الاستقالة شكلاً من أشكال الاحتجاج الصامت؟ الريف ينهض بالنساء .. ودبس البندورة بداية الحكاية حلب .. نحو شوارع بلا مخالفات! الزراعة الحافظة.. مواسم مقاومة للجفاف في ريف حلب أياد من ذهب تحفظ الطين من النسيان المرأة السورية.. شريك فاعل في التغيير السياسي والاجتماعي الأطراف الصناعية .. بين الأمل والنقص! الاقتصاد الريعي ينهار والإنتاجي ينتعش التخطيط الاقتصادي.. في مواجهة الأزمات الزراعة المائية.. ثورة زراعية بلا تربة تجهيز طابق للعيادات الشاملة بمحردة وتنفيذ شارع في طرطوس التهريب يزدهر.. هل تتحرك الجهات المعنية؟