الثورة – نور جوخدار:
شكَّل العدوان الإسرائيلي الأخير على العاصمة القطرية الدوحة في 9 أيلول 2025، نقطة تحول كبرى ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل أيضاً في التطورات السياسية على مستوى المنطقة برمتها، لتتجه الأنظار اليوم إلى القمة العربية – الإسلامية الطارئة التي تحتضنها الدوحة في ظرف إقليمي ودولي شديد الحساسية.
القمة تكتسب أهمية خاصة كونها أول اجتماع على هذا المستوى بعد ضربات اعتبرتها دول مجلس التعاون الخليجي “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والسيادة الوطنية”، ليطرح سؤالاً محورياً:
هل ينقل الهجوم الإسرائيلي على قطر العلاقات الخليجية – الإسرائيلية إلى علاقات مختلفة كلياً؟.
وحول ردود الفعل الخليجية، أدانت السعودية العملية وأكدت تضامنها الكامل مع قطر، متمسكة بشرط قيام دولة فلسطينية قبل أي تطبيع مع إسرائيل.
الإمارات، رغم كونها أول دولة خليجية وقَّعت اتفاقيات تطبيع، استدعت دبلوماسياً إسرائيلياً ووصفت الضربة بأنها “اعتداء غير مقبول على سيادة دولة خليجية”، في موقف يعكس توازنها بين مكتسبات التطبيع ومتطلبات التضامن الخليجي.
أما البحرين فقد أدانت الضربة الإسرائيلية، من دون المساس بالبنية الدبلوماسية القائمة مع إسرائيل، ووصفتها بأنها انتهاك لسيادة دولة شقيقة ومبادئ القانون الدولي، وأعلنت “التضامن والدعم الكامل لقطر”، بينما جدّدت الكويت وعُمان مواقفهما التقليدية الرافضة للتطبيع أو الداعية إلى خفض التصعيد.
تقرير لصحيفة واشنطن بوست أشار إلى أن الغارة الإسرائيلية على قطر أجبرت دول الخليج على مواجهة حقيقة ضعف الحماية التي يوفرها الحليف الأميركي، ودفعها إلى البحث عن تنسيق أمني أوسع وضمانات دفاعية أوضح.
ونقل التقرير عن محللين أن الهجوم عزز شعوراً بانعدام الأمن في الخليج، خاصة أن الدفاعات الأميركية لم تعترضه، ما أثار تساؤلات حول حدود الشراكة الأمنية مع واشنطن.
إبراهيم الأصيل الباحث في “المجلس الأطلسي” قال: “إنهم بالتأكيد قلقون.. يشعرون أنهم أقل أمنا وحماية مما كانوا عليه من قبل”.
وتوقع الأصيل، وفقاً للتقرير، أن تدفع الأحداث دول الخليج لمطالبة واشنطن بضمانات أمنية أوضح، إلى جانب تعزيز التنسيق الإقليمي، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية فيما بينها ومع حكومات أجنبية، وقال: “هذه منطقة صغيرة.. أي هجوم على قطر أو غيرها من دول المنطقة من شأنه أن يؤثر على الجوار بسهولة، مسبباً أضراراً لاقتصاداتها وصورتها كواحات استقرار في منطقة مضطربة”.
كما نقل التقرير عن الباحث في سياسات الشرق أوسطية في “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”، حسن الحسن، قوله: إن العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل جعلت هذه الضربة مختلفة نوعياً عن الحالات السابقة، “إنها تعزز الشعور السائد بأن أميركا شريك أمني غير موثوق”.
وأضاف الحسن أن واشنطن، باستثناء بعض التعبير عن الاستياء من إسرائيل، امتنعت عن فرض إجراءات عقابية يمكن أن توقف “العدوان العسكري الجامح وغير المنضبط لإسرائيل في المنطقة”، مشيراً إلى أن استضافة قطر قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تجعلها بالضرورة أكثر عرضة للهجوم من غيرها.. فدول خليجية أخرى تبنّت مواقف تعارضها إسرائيل.
وبحسب الحسن، لا يُستبعد أن تؤدي هذه المواقف إلى تحرك عسكري إسرائيلي، مضيفاً: “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يحتاج إلى ذريعة”.
وأوضح أن دول الخليج اعتقدت أن لها علاقات خاصة مع ترامب، مستندة إلى قدرتها على تقديم صفقات تجارية له، وكان الأمل أن يؤثر ذلك في رؤيته وسياساته.. لكن الهجوم على قطر قوّض تلك الافتراضات، وقال: “المأساة أن دول الخليج لا تملك بديلاً جيداً لضمان دفاعها وأمنها.. الصين وروسيا لا تُعتبران بديلين موثوقين، والمبادرات الدفاعية المحلية لاتزال قيد التطوير”، وإن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة متجذر بعمق، ومن الصعب الفكاك منه”.
حتى الآن لم تُعلن قرارات خليجية تقطع مسارات التطبيع أو تغير المعادلة القائمة، لكن رفع مستوى الخطاب القانوني والسيادي بات سمة مشتركة، ويرى مراقبون أن القمة الطارئة في الدوحة ستكون محطة لقياس قدرة العواصم العربية والإسلامية على الانتقال من دائرة الإدانة إلى خطوات عملية، وعلى اختبار مدى التزام واشنطن بحماية حلفائها في الخليج.