الثورة – إيمان زرزور:
لطالما نُظر إلى المطبخ في كثير من الثقافات على أنّه مكان لإعداد الطعام وتأمين الحاجات الجسدية للأسرة، غير أن النظرة العميقة تكشف بعداً أسمى يتجاوز المادة إلى الروح، فيحوّل هذا الفضاء اليومي إلى محراب خفي يجمع بين العبادة والعمل، وبين الحب والبذل، في صورة إنسانية راقية.
لا يمكن حصر دور المطبخ في الوظيفة الخدمية فقط، فهو مساحة تمارس فيها طقوس يومية ترتقي – بالنية الخالصة – إلى درجات العبادة، المرأة التي تقف لساعات في إعداد الطعام لا تؤدي واجباً منزلياً فحسب، بل تحمل رسالة إنسانية وروحية، تفيض حباً وحناناً في كل وجبة، وتقدّم بذلاً صامتاً لا يُدركه إلا من يتأمل العمق.
حين تقترن الأعمال اليومية بذكر الله، يصبح لكل حركة معنى، تقليب الطعام يمكن أن يكون تسبيحاً، وغسل الأواني تطهيراً للنفس، وترتيب المطبخ فرصة لتأمل النظام والنعمة، في هذه اللحظات تتعلم المرأة كيف يكون السكون عبادة، وكيف يمكن للبساطة أن تفتح أبواب القرب من الله.
من المطبخ تنبع روائح الذكريات، وتتشكل ملامح الدفء الأسري، كل وجبة تُحضر بحب تسهم في بناء جسور المودة بين أفراد العائلة، كما أن ما يُصنع في الخفاء – من إعداد الطعام وتقديمه بسخاء – يرسّخ في الأبناء قيم العطاء والامتنان والتواضع، لتصبح هذه الطقوس اليومية تربية غير مباشرة على الأخلاق.
ولا تزال بعض المجتمعات تنظر إلى عمل المرأة في المطبخ نظرة سطحية أو دونية، بينما الحقيقة أن هذا الدور يتطلب صبراً ووعياً وذكاءً عاطفياً وروحاً مبدعة، وقد آن الأوان لإعادة النظر في هذا الدور وتقديره حق التقدير، ليس فقط من الجانب العملي، بل من حيث ما يتركه من أثر نفسي وروحي داخل الأسرة.
ولتعزيز الثقافة الإيجابية، يوصي الباحثون بتعزيز ثقافة النية في الأعمال اليومية داخل المنزل وربطها بالعبادة، وتقدير دور المرأة المنزلي من قِبل أفراد الأسرة بالكلمة الطيبة والدعم النفسي.
إضافة إلى توظيف المطبخ كوسيلة تربية غير مباشرة بإشراك الأبناء في تحضير الطعام وتعليمهم المعاني الروحية للعمل المنزلي، وتشجيع المحتوى الثقافي والإعلامي الذي يعيد الاعتبار لدور المرأة المنزلي بعيداً عن التسطيح أو الاستخفاف.
يشكّل المطبخ في حياة المرأة ساحة مزدوجة للعطاء والسمو، لا يجب أن تُختزل في الوظائف الروتينية، بل يُستحسن أن يُنظر إليه على أنه مساحة للتأمل، وفرصة للعبادة، ومصدر لبناء القيم في البيت والمجتمع.