الثورة – إيمان زرزور:
شكّل الإعلان عن «خارطة الطريق» بين الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة أزمة محافظة السويداء لحظة فارقة في مسار الصراع السوري.
هذا الاتفاق، الذي تمخّض عن سلسلة من الاجتماعات في عمّان ودمشق، لا يُقدَّم باعتباره مجرد تسوية أمنية ظرفية، بل كخطة شاملة تتضمن بنوداً عملية لمعالجة جذور الأزمة، وفتح الباب أمام مصالحة داخلية واسعة تعيد دمج المحافظة في مؤسسات الدولة السورية وتعيد ثقة المجتمع المحلي بالدولة.
تنبع أهمية الاتفاق من كونه أول إطار عملي يتناول الأبعاد المختلفة لأحداث السويداء: الإفراج عن المحتجزين والمخطوفين، تحديد المفقودين، إنهاء التدخلات الخارجية، ضمان تدفق المساعدات الإنسانية، إعادة الخدمات الأساسية، وترميم القرى والبلدات المتضررة، وهذه البنود تعالج ليس فقط الأعراض الأمنية، بل أيضاً الأوضاع المعيشية والنفسية والاجتماعية التي غذّت الاحتقان في المحافظة، ما يجعل الخارطة خطوة في اتجاه معالجة متكاملة لا تقتصر على البعد الأمني.
كما أن الاتفاق يحمل بعداً رمزياً يتجاوز حدود السويداء، إذ يرسل إشارة إلى أن الحلول التوافقية المدعومة إقليمياً ودولياً باتت ممكنة في سوريا بعد سنوات من الانسداد السياسي، وأن التعاون بين الحكومة السورية وشركاء إقليميين ودوليين قادر على إنتاج مسارات عملية تضع البلاد على طريق الاستقرار التدريجي.
الترحيب الواسع من قطر والسعودية والكويت وتركيا وجامعة الدول العربية، إلى جانب موقف المبعوث الأمريكي توماس باراك الذي وصف الخارطة بأنها «مسار يمكن لأجيال السوريين القادمة أن تسلكه»، يعكس إجماعاً نادراً على دعم هذه الخطوة، وهذا التأييد يمنح الاتفاق ثقلاً سياسياً ومعنوياً، ويُسهم في توفير مظلة إقليمية ودولية لتطبيقه، ويزيد من فرص نجاحه على الأرض.
كما أنّ هذه المواقف تحمل رسالة مزدوجة: دعم وحدة الأراضي السورية وسيادتها من جهة، والضغط على الأطراف المحلية للتجاوب مع الخطة من جهة أخرى، وتكشف في الوقت نفسه عن إدراك إقليمي ودولي بأن استمرار التوتر في الجنوب السوري يهدد أمن الأردن والاستقرار الإقليمي ككل، وأن معالجة ملف السويداء بشكل متكامل يمكن أن يشكل نموذجاً لتسويات مشابهة في مناطق سورية أخرى.
إذا ما نُفذت خارطة الطريق كما أُعلنت، يمكن أن تمهّد الطريق لعودة الحياة الطبيعية إلى المحافظة، وتُعيد بناء الثقة بين المجتمع المحلي والدولة، وتُرسخ ثقافة المساءلة القانونية بدلاً من الإفلات من العقاب، وتفتح المجال أمام حوار داخلي أوسع حول مستقبل سوريا، وهذا لا يقتصر على تأمين الخدمات أو نشر قوات الشرطة، بل يتعداه إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أساس الحقوق والواجبات المتساوية.
ويعكس الترحيب الدولي والعربي بالاتفاق إدراكاً بأنّ هذه الخطوة قد تكون اختباراً لقدرة سوريا الجديدة على إدارة أزماتها بروح الشراكة والشفافية، ونجاح تنفيذ خارطة الطريق في السويداء يمكن أن يتحول إلى نموذج يُحتذى في باقي المناطق السورية، ويشكل بداية طريق طويل نحو الاستقرار وإعادة البناء الوطني، ويمنح السوريين – كما قال باراك – مساراً جديداً لبناء أمة تتسم بالمساواة في الحقوق والواجبات المشتركة للجميع.