الثورة- منهل إبراهيم:
انتهجت سوريا أسلوباً ثابتاً في التعامل مع الواقع المستجد، لجهة العمل الدؤوب للحفاظ على وحدة ترابها وأمنها واستقرارها، وتفعيل عمل المؤسسات لتقديم الخدمات والطمأنينة للسوريين في الداخل والخارج ولرعايا الدول الأخرى وسفاراتها وقنصلياتها، وهذا السلوك المستدام من شأنه أن يقود لنجاح مستقبلي كبير، رغم التحديات السياسية والأمنية الراهنة التي تواجهها البلاد، ومنها الخطط الإسرائيلية الرامية إلى تقسيم البلاد من خلال نشر الفتنة بين مكونات المجتمع السوري الواحد. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بقوله: “إن إسرائيل الجهة الوحيدة التي تعمل على مشروع انفصالي تقسيمي لسوريا، لأنها لا تريد لسوريا أن تستقر، ولا تريد لسوريا إعادة البناء، مشيراً إلى أنه تم التوصل إلى خطة سورية أردنية أميركية لتجاوز أحداث السويداء تحت سقف وحدة سوريا واستقرارها”.
بموازاة ذلك كشف تقرير نشرته وكالة رويترز عن تصاعد المخاطر التي تهدد سوريا بالتقسيم، بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية السورية، لوأد هذه الفكرة التي لا تقبل التحقق في سوريا. والثابت أن مخاطر التقسيم التي تهدد سوريا، سببها التوغلات والاعتداءات غير المسبوقة، والتدخلات الإسرائيلية ومصالح الاحتلال في رؤية المنطقة مفتتة، كي يتسنى له المضي قدماً في تحقيق أهدافه التوسعية لما تسمى “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل.
واعترف تقرير رويترز بالنجاح الدبلوماسي السوري، والمكاسب الدبلوماسية التي حققتها دمشق، وهي تواجه سيناريو خطر تقسيم البلاد مع تصاعد التوترات، التي سببها الاحتلال الذي يلعب على أوتار الأزمة الإنسانية الناشئة في السويداء، والتي تعالجها الحكومة السورية عبر خارطة طريق عملية وواضحة.
سوريا الجديدة استوعبت دروس الماضي بالتعامل مع العالم كما هو، لا كما تتمناه، وهي مستمرة بنهج الدبلوماسية المتأنية، وقبول المشاركة والتفاعل في الداخل والخارج، وعليه تنال الاعتراف والتقدير والدعم عربياً ودولياً بشكل مستمر وواضح. هذا التحول الدراماتيكي جعل المشهد السوري والإقليمي يدخل مرحلة جديدة، ويفتح الباب أمام تحولات إيجابية، نظراً للمصالح المتوافقة للدولة السورية من جهة، ومصالح القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لاستقرار الجغرافيا السورية، كونه امتداداً للدول المجاورة التي بدأت تشعر بالارتياح، خصوصاً في العراق والأردن.
الحكومة السورية تدرك أخطاء الماضي للنظام المخلوع، وقد قفزت من عالم النظريات والشعارات إلى أرض الواقع لإرساء علاقاتها مع العالم من حولها، وإعادة تشكيل الصورة الحقيقية في المنطقة، وإسرائيل كانت الأكثر تأثراً تجاه ما يجري في سوريا، وقد أقلقها كل تلك التحولات الإيجابية.
هذه التطورات الإيجابية من الالتفاف العربي والدولي حول سوريا، وخلق الفضاء السياسي والاقتصادي المشترك بدعم واشنطن، وبدء دخول دمشق في مرحلة التعافي، خلق دينامية إقليمية جديدة أثرت على عموم المنطقة، وبوجه خاص المشرق العربي، حيث تركزت المطالب العربية على الحد من دور إيران وحلفائها سواء من الدول، أو من التنظيمات المسلحة في المنطقة، وسيكون بإمكان سوريا الموحدة والمستقرة أن تلعب دوراً وازناً وكبيراً في هذا الشأن.هذا التطور لم ترض عنه إسرائيل، التي لم تتأخر عن إعلان انزعاجها من إمكانية تحول الوضع الجديد في سوريا لغير مصلحتها، ولاشك أن استقرار سوريا وازدهارها وتنامي دورها العربي والإقليمي، سيحد من قدرة الاحتلال على التوسع في محيطه أو من فرض شروطه على القيادة السورية.
وكانت إسرائيل قد بادرت، مباشرة بعد سقوط النظام المخلوع، إلى التوغل في الأراضي السورية بمئات الكيلومترات بذريعة حماية حدودها، وحرضت على الحكومة السورية الجديدة، وهي ماضية ومستمرة في توغلاتها وانتهاكاتها وتحريضها .لكن النقطة التي يخشاها الاحتلال الإسرائيلي هو وحدة الموقف العربي، وهو يراقب بقلق من أن الإجماع العربي، وخاصة الخليجي، واحتضانه لدمشق، قد يشكل نقطة البداية لإعادة بناء نظام إقليمي عربي جديد، بعد أن شهدت المنطقة خلافات عربية وانقسامات حادة، وهذا لاشك سيربك ويفشل الخطط الإسرائيلية في سوريا والمنطقة، وقمة الدوحة مؤخراً خير دليل على تحرك جاد لبناء الثقة بين الدول العربية والإسلامية، والوحدة والدفاع المشترك عن القضايا المصيرية المشتركة، بمشاركة سورية فاعلة وجادة.