الثورة – مها دياب:
في ريف دمشق، لاتزال الحرب تترك بصماتها الثقيلة على تفاصيل الحياة اليومية.. البيوت التي كانت مأوى للعائلات تحولت إلى أطلال، والمدارس التي كانت تضج بأصوات الأطفال باتت صامتة، والمراكز الصحية التي كانت تقدم الرعاية أصبحت مهجورة أو شبه مدمرة.. سنوات من النزوح، القصف، والانهيار الاقتصادي، جعلت من الريف السوري منطقة منكوبة بكل المقاييس، حيث يعيش السكان في ظروف قاسية، كانوا محرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
لكن وسط هذا الظلام، تلوح بارقة أمل، حملة “ريفنا بيستاهل” انطلقت كاستجابة شعبية حقيقية، تهدف إلى إعادة إعمار ما تهدم، وإحياء ما خفت، وإعادة بناء الإنسان قبل الحجر، جاءت كمشروع تنموي يعبر عن إرادة جماعية، عن شعب قرر أن ينهض بنفسه، ويعيد رسم ملامح الحياة في مناطقه المنسية.
الحملة تسعى إلى تحويل الألم إلى طاقة، واليأس إلى فعل، لتقول بصوت واضح: سوريا تستحق الأفضل، والريف السوري ليس هامشاً، بل قلب نابض يحتاج إلى من يمد له اليد.

إرادة جماعية
المشرف الإعلامي لحملة “ريفنا بيستاهل” براء أبو يحيى، يصف الحملة أنها ولدت من رحم الحاجة، لكنها كبرت بفعل الإيمان، ويقول: أبناء الريف هم من أطلقوها، وهم من يديرونها، وهم من يضعون الطوب الأول في كل مشروع ترميم أو بناء، مؤكداً أن هذه ليست حملة تبرعات فقط، بل هي قصة كرامة، قصة شعب قرر أن يكون جزءاً من الحل، لا مجرد متلقٍ للمساعدة.
ويضيف: ما يميز هذه المبادرة هو أنها لا تعتمد على مؤسسات خارجية، بل تنبع من الداخل، من الناس أنفسهم، فكل شخص يساهم بما يستطيع، سواء بالمال أم بالجهد أم حتى بالكلمة الطيبة، هذه الروح الجماعية هي ما يمنح الحملة قوتها واستمراريتها.
ويؤمن أن الحملة تحمل رسالة أمل وتضامن، ويقول: نحن لا نطلب المساعدة من الخارج، بل نطلب من السوريين أن يمدوا يدهم لبعضهم.. أن يتحول الألم إلى طاقة، واليأس إلى فعل، كل قرش يجمع، وكل قطعة عينية ترسل، تسجل وتوثق، وتصل إلى من يستحقها.
الشفافية هي أساس عملنا، لأننا نريد أن نعيد بناء الثقة قبل الجدران.
ويتابع: نحن نعمل على بناء نموذج جديد من العمل المجتمعي، نموذج يقوم على النزاهة والوضوح، ويضع الإنسان في قلب العملية، لا نريد أن نعيد بناء الجدران فقط، بل نريد أن نعيد بناء العلاقات، الثقة، والانتماء.
دعم الحملة
ويشدد أبو يحيى على أهمية الإعلام في دعم الحملة، ويقول: نحن نروي قصص الناس، ونظهر التحديات، ونحتفي بالنجاحات، نريد أن يرى العالم أن سوريا لاتزال قادرة على صناعة المعجزات، وأن الريف ليس ضحية فقط، بل بطل أيضاً.
ويضيف: الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل شريك في التغيير، نحن نحتاج إلى من يسلط الضوء على هذه المبادرة، من يشارك قصص النجاح، ومن يساهم في خلق حالة من الحماس والتضامن، لأن كل صورة، كل تقرير، كل منشور يمكن أن يحدث فرقاً.
وعن أهداف الحملة، يقول أبو يحيى: نريد أن يلمس المواطن الفرق على الأرض، أن يعود الأطفال إلى مدارسهم، وتفتح المراكز الصحية، وترمم الطرقات، وتنتعش الحركة الاقتصادية، نحن هنا نحاول تطبيق أحلامنا، ونعمل على تحقيقها، خطوة بخطوة.
ويتابع: لدينا خطط واضحة، وأولويات محددة، ونبدأ بالأكثر تضرراً، ومن ثم ننتقل تدريجياً إلى باقي المناطق، كل مشروع يخضع لتقييم دقيق، وكل خطوة تتم بالتنسيق مع المجتمع المحلي، نحن نؤمن أن النجاح الحقيقي هو الذي يشعر به الناس في حياتهم اليومية.

خطط مدروسة
المهندس خالد الصعيدي، من فريق العلاقات العامة للحملة، يصف التحديات التي تواجههم قائلاً: إعادة إعمار الريف ليست مهمة سهلة، نحن نتعامل مع بنى تحتية مدمرة بالكامل، وشبكات صرف صحي وكهرباء تحتاج إلى إعادة تصميم من الصفر، ولكننا نملك الإرادة، ونملك المعرفة، ونملك الناس الذين يريدون أن يعملوا.
ويضيف: التحدي الأكبر هو التوفيق بين الإمكانيات المحدودة والحاجات الكبيرة، نحن نعمل ضمن ميزانيات ضيقة، لكننا نحاول أن نحقق أكبر أثر ممكن، ونستخدم تقنيات بسيطة لكنها فعالة، ونركز على الاستدامة في كل مشروع.
ويؤكد الصعيدي أن الحملة لا تعتمد على العشوائية، بل على التخطيط العلمي، ويقول: هناك خرائط، وتقييمات ميدانية، وأولويات واضحة، لذلك سنبدأ بالمنازل الأكثر تضرراً، ثم ننتقل إلى المدارس والمراكز الصحية، فكل مشروع يخضع لدراسة هندسية دقيقة، لضمان الجودة والاستدامة.. نحن لا نعيد البناء فقط، بل نحاول أن نطور، أن نخلق بيئة أفضل مما كانت عليه، بأن نستخدم مواد محلية، ونشجع على الابتكار، ونحرص على أن تكون المشاريع قابلة للصيانة والتطوير مستقبلاً.
مشاركة مجتمعية
ويشدد على أهمية إشراك السكان المحليين في عملية البناء، ويقول: نحن لا نأتي لنفرض حلولاً، بل نعمل مع الناس، نستمع إليهم، ونبني معهم، وهذا يخلق شعوراً بالملكية، ويضمن أن ما يبنى سيحافظ عليه، لأن كل مشروع يبدأ بحوار، وجلسة مع الأهالي، نستمع إلى احتياجاتهم، ونناقش معهم الخيارات، وهذا لا يجعل العمل أكثر فعالية فقط، بل يمنح الناس شعوراً بأنهم جزء من التغيير، لا مجرد متلقين له.
ويؤكد نحن لا نعد بمعجزات، لكننا نعد بعمل جاد، فكل حجر يوضع هو خطوة نحو المستقبل، وكل مشروع ينجز هو دليل على أن سوريا، رغم كل شيء، لا تزال قادرة على الوقوف، ونحن نؤمن أن الأمل لا يأتي من الخارج، بل ينبع من الداخل. من الناس الذين يقررون أن يعملوا، أن يبنوا، أن يحلموا من جديد.
حلم ينبض بالحياة
مدير الموقع الإلكتروني لمؤسسة “دي سي آر إن” الإعلامية، الإعلامي علي رسلان، يقول: إن حملة “ريفنا بيستاهل” هي مبادرة تنموية وإعلان صريح أن الريف السوري لم يُهزم، وأن أهله لا يزالون يحملون في قلوبهم بذور الحياة رغم كل ما مروا به، نحن لا نعيد بناء حجارة فقط، بل نعيد بناء الثقة والكرامة، مضيفاً: إن نجاح الحملة يمثل خطوة حقيقية نحو التنمية المستدامة، خاصة في ريف دمشق الذي عانى من التدمير الممنهج والتهجير القسري.
وأوضح أن الأهالي حرموا لسنوات من العودة إلى بلداتهم، ومن حقهم الطبيعي في ترميم منازلهم وحياتهم، واليوم تأتي هذه الحملة لتكسر هذا الحصار النفسي والمادي، وتفتح نافذة نحو مستقبل أكثر عدالة. ويتابع رسلان قائلاً: إن ما نراه اليوم هو بداية تحول حقيقي، فهناك جهود حثيثة لإعادة الحياة إلى المناطق المنسية، وإعادة الاعتبار للناس الذين صمدوا رغم كل شيء، فحملة “ريفنا بيستاهل” تعبّر عن هذا التوجه، وتمنح الناس شعوراً بأنهم ليسوا وحدهم، وأن صوتهم مسموع، واحتياجاتهم محل اهتمام.
وأشار إلى أن الإعلام ليس مجرد نقل للخبر، بل هو شريك في التغيير، ولهذا تسعى مؤسسة “دي سي آر إن” إلى تسليط الضوء على هذه المبادرات التي تعيد للناس إيمانهم أن سوريا قادرة على النهوض من جديد، وأن الريف الذي نزف طويلاً، يمكنه أن يزهر إذا ما مُنح الفرصة والدعم.

حلم الريف الذي لا يموت
وفي ختام حديثهم أكدوا أن الريف ليس مجرد جغرافيا، بل ذاكرة وهوية وحنين لا يخفت، في كل شجرة اقتُلعت، هناك جذور ما زالت تحلم بالعودة، وفي كل جدار تهدم، هناك قصة تنتظر أن تُروى من جديد.. “ريفنا بيستاهل” ليست شعاراً، بل وعد بأننا لن نترك الريف وحيداً، وأننا سنحمل معه الحلم حتى يتحقق.
نحلم بمدارس تفتح أبوابها للأطفال الذين كبروا قبل أوانهم، وبمراكز صحية تعيد الطمأنينة للأمهات، وبشوارع تنبض بالحياة لا بالخوف، نحلم ببيوت تُضاء من جديد، وبأرض تُزرع لا تُقصف، وبأغان تُغنى في الأعراس لا في وداع الأحبة، نحلم بريف يعلّم المدن معنى الصبر، ويذكّرنا جميعاً أن الكرامة تبدأ من البيت، من الحقل، من الجيرة الطيبة.. “ريفنا بيستاهل” لأننا جميعاً نستحق وطناً يشبه أحلامنا.