الثورة – وعد ديب:
في تطور اقتصادي يُعدّ الأول من نوعه منذ سنوات، بدأت مؤشرات على وجود تعاون مبدئي بين بعض الجهات المصرفية السورية وشركة “ماستركارد” العالمية، إحدى أبرز الشركات في مجال الدفع الإلكتروني على مستوى العالم.
وعلى الرغم من عدم صدور إعلان رسمي عن شراكة كاملة بين مصرف سوريا المركزي و”ماستركارد” حتى الآن، إلا أن مجرد الحديث عن هذه الخطوة أثار اهتماماً كبيراً في الأوساط الاقتصادية والشعبية، لما تحمله من دلالات محتملة على صعيد إعادة تأهيل القطاع المالي في سوريا، وربما فتح نوافذ نحو المنظومة المالية الدولية.
انطلاقة حذرة
بحسب، الدكتور في العلوم المالية والمصرفية في جامعة حلب فراس شعبو، وكباحث اقتصادي مطّلع، قال لـ”الثورة”: إن مثل هذا التعاون يحمل في طياته إمكانية حقيقية لتسهيل المعاملات الدولية التي كانت تشكل عبئاً على الأفراد والشركات داخل سوريا خلال السنوات الماضية، ولاسيما في ظل العقوبات وصعوبة إجراء التحويلات المالية عبر الحدود.
وأضاف: إن تفعيل خدمات الدفع الإلكتروني عبر شركة عالمية مثل “ماستركارد”، من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في القدرة على التسديد الخارجي، وحجز السفر، وإجراء المشتريات عبر الإنترنت، وهو ما كانت تواجهه معظم الشرائح الاقتصادية في سوريا بصعوبات تقنية وتشريعية.
وبرأي، شعبو، الأثر الإيجابي لا يتوقف عند البعد الخارجي، بل يمتد أيضاً إلى الداخل السوري، إذ يُتوقع أن يُسهم هذا التعاون- إن تم تعميمه- في تعزيز ما يعرف بالشمول المالي، وهو ما يعني رفع نسبة الأفراد الذين يمتلكون حسابات مصرفية فعالة ويستخدمون أدوات دفع إلكتروني حديثة.
ويقول شعبو: في الوقت الحالي، يمتلك كثير من السوريين حسابات مصرفية تقليدية غير مفعّلة، ولا يستخدمون بطاقات ائتمان أو خصم، ما يحدّ من فعالية القطاع المصرفي كوسيط اقتصادي.
ويتابع: كما يمكن أن يشكّل هذا التطور أداةً لتعزيز السياحة في المستقبل، في حال تم تخفيف العقوبات، إذ سيُمكّن السياح من استخدام بطاقاتهم المصرفية داخل سوريا، ما يلغي الحاجة لحمل النقد، ويقلل من مخاطر التلاعب بأسعار الصرف أو تزوير العملات، ويضمن شفافية أكبر في التسعير والتعاملات.
عوائق قائمة
وينوه بأنه على الرغم من هذه الفوائد المحتملة، إلا أن التحديات تبقى حاضرة بقوة، فالبنية التحتية التقنية في سوريا لا تزال ضعيفة، من حيث الاتصال بالإنترنت، وتوافر الشبكات المصرفية الحديثة، إضافة إلى غياب منظومات أمن معلومات متكاملة تحمي البيانات من الاختراقات أو الهجمات السيبرانية.
ويلفت إلى أنه يضاف إلى ذلك الحاجة إلى تحديث التشريعات المتعلقة بحماية البيانات الشخصية، ومكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وهي اشتراطات تفرضها شركات الدفع العالمية قبل الدخول في أي شراكة استراتيجية.
المقاومة المحتملة لهذا التحول- حسب الباحث شعبو- قد لا تقتصر على الجوانب التقنية أو التشريعية، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي والثقافي، إذ لا تزال نسبة كبيرة من السوريين تفضل التعامل النقدي وترى في أدوات الدفع الإلكتروني نوعاً من التعقيد أو انعدام الثقة.
كما قد تُظهر بعض المصارف التقليدية تحفظاً على إدخال أنظمة جديدة لم تُختبر بعد في السوق المحلية، وهو ما لوحظ سابقاً مع دخول شركات تحويل الأموال مثل “ويسترن يونيون” أو “موني غرام”، حيث لم تسارع جميع البنوك إلى تبني هذه الخدمات.
بين التحديث والتحفظ
وبرأي، دكتور العلوم المالية والمصرفية، رغم كل ما سبق، فإن هذا التعاون- ولو كان محدوداً في البداية- يمكن اعتباره مؤشراً رمزياً على وجود نية حقيقية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في المنظومة المالية العالمية، خاصة على المدى البعيد، في حال تم تخفيف العقوبات وتهيئة البيئة التنظيمية اللازمة.
وفقاً للدكتور شعبو، إن دخول “ماستركارد” إلى السوق السورية لا يحمل بحد ذاته وعوداً بانفتاح فوري أو تحولات جذرية، لكنه يشير إلى بداية تفكير جديد في واقع الحياة الاقتصادية اليومية للمواطن، وإمكانية إدخال خدمات مالية تكنولوجية باتت ركيزة أساسية في اقتصادات العالم.
تكنولوجيا الدفع
مضيفاً: إن استثمار هذه الخطوة بشكل فعّال قد يفتح الباب أمام نمو قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) في سوريا، ويُمهّد لظهور خدمات رقمية متقدمة كتلك الموجودة في الدول المجاورة، بل ويعزز قدرة المصارف على تقديم بطاقات مدفوعة مسبقاً وخدمات إلكترونية متكاملة، ما يساهم في تحسين السيولة، وزيادة الأمان المالي، وتسريع المعاملات، وتقليل الاعتماد على النقد الورقي في ظل التضخم المتزايد.
وفي ضوء هذه المعطيات، يُمكن القول، والكلام للباحث المالي والمصرفي، إن دخول “ماستركارد” إلى السوق السورية يُعد خطوة تكتيكية، محدودة حالياً، لكنها تحمل في طياتها إمكانيات كبيرة للمستقبل، بشرط أن تتوفر الإرادة السياسية، والإصلاحات البنيوية، والدعم التشريعي اللازم لتحويل هذا التعاون من مبادرة رمزية إلى تحول استراتيجي في البنية المالية للبلاد.