الثورة – وفاء فرج:
تتعرض سوريا بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام لظروف وتبدلات وتحولات مناخية كبيرة، بدءاً من قلة الأمطار وارتفاع دراجات الحرارة وانسحاب الصيف إلى الشتاء والشتاء إلى الصيف، وشكلت كل هذه العوامل تأثيرات كبيرة على الغطاء النباتي والزراعة بشكل عام.

حقيقة واقعية
في هذا السياق، بين المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد” الدكتور نصر الدين العبيد لـ”الثورة”، أن التغيرات المناخية أصبحت حقيقة واقعة في سوريا، فتشير الدراسات إلى ارتفاع درجة الحرارة في سوريا 0,8 مئوية خلال الـ 100 عام الماضية، وهنالك ميل واضح حالياً لانخفاض معدلات الهطولات المطرية في مختلف المناطق السورية، كما تدل بعض الدراسات أن كميات المطر ستنخفض بمعدل 10 بالمئة في العقود الثلاثة القادمة، مقارنةً مع سنوات القرن الماضي.
وأشار إلى أنه حسب معلومات وكالة الفضاء الأميركية NASA أن موجة الجفاف المسيطرة في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط هي الأسوأ منذ 900 عام، وقد انعكس ذلك على استنزاف المياه الجوفية بمعدلات تفوق إمكانيات تعويضها، فانخفض مستوى هذه المياه عدة أمتار عما كانت عليه في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهذا يشير إلى الصعوبات الكبيرة التي ستواجه الزراعة في سوريا في السنوات القادمة بسبب الجفاف، وشح المياه.
وبين الدكتور عبيد أن دراسات منظمة المركز العربي “أكساد”، تشير باختصار مع التغيرات المناخية إلى إنتاج زراعي أقل، وتكاليف أعلى، وزيادة في معدلات البطالة والفقر وسوء التغذية، وحدوث اضطرابات اجتماعية.وبخصوص إمكانية الاعتماد على أصناف معينة حسب المتغيرات والابتعاد عن أصناف أخرى زراعية أوضح الدكتور عبيد، بالتأكيد على أنه يمكن ذلك، بل من الضروري- في حال التأكد من استمرار موجة الجفاف وقلة الأمطار- خفض المساحات المزروعة بالمحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه كالقطن، والذرة الصفراء، والشوندر السكري، وتقليص زراعة البطيخ المروي الذي يشغل مساحة 28 ألف هكتار، وحتى البندورة، والبطاطا، وغيرها من الخضار رغم صغر المساحة المزروعة بها نسبياً، التي تُقدر بنحو 46 ألف هكتار.
التوسع بالزراعة
وبالمقابل أشار إلى أنه يتم التوسع بزراعة القمح، والذرة البيضاء، والشعير، والحمص، والعدس بعلاً، والتوسع أيضاً بزراعة السمسم، والشعير، والقمح المروي تكميلياً، أي بإعطاء 3- 2 ريات فقط للقمح، و2 رية للشعير (حسب كمية الهطول المطري)، لافتاً إلى أن بذلك يمكن ضمان إنتاج جيد من القمح عماد الأمن الغذائي، وزيادة إنتاج الشعير، والذرة البيضاء، وهي محصول تقليدي في الزراعة السورية تُستخدم كعلف للحيوانات الزراعية والدواجن.
استنباط أصناف مناسبة
وحول إمكانية استنباط أصناف جديدة تراعي الحالة المناخية بين الدكتور عبيد، في الواقع هذا من صلب وأساسيات اهتمامات المركز العربي “أكساد”، نظراً لتحديات المتغيرات المناخية وقلة الأمطار، مبيناً أن أصناف القمح والشعير المستنبطة في “أكساد” تعد عالية الإنتاج ومتحملة للتغيرات المناخية لاسيما الجفاف والحرارة العالية، وتلقى قبولاً جيداً من قبل مزارعي القمح والشعير.
وبين د. العبيد أنه في حال استمرت موجات الجفاف فإن المنعكسات ستكون شديدة على القطاع الزراعي، وسينخفض الإنتاج الكلي بنحو 50 بالمئة على الأقل وستزداد فاتورة استيراد المنتجات الزراعية وخاصة القمح الذي سيكلف الدولة ما لا يقل عن 600-700 مليون دولار أميركي سنوياً قيمة نحو 2 مليون طن، ويزداد الفقر وسوء التغذية، وهو ما يهدد الأمن الغذائي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
موجات جفاف
وحول محصول القمح السوري مصيره قال: إن تنوع المحاصيل الزراعية في سوريا، وتعدد البيئات فيها بما في ذلك تباين معدلات الأمطار، وتنوع طبيعة التربة وخصوبتها، واختلاف الارتفاعات عن سطح البحر، ومرور الأنهار الدولية كبيرة ضمن أراضيها، أدى إلى زراعة ناجحة تستطيع التأقلم مع العوامل المُناخية غير المناسبة من دون خسائر كبيرة.
وأشار إلى أن سوريا شهدت في السنوات الماضية موجات جفاف خطيرة عالية الشدة، كانت أخطرها في الموسم الزراعي المنصرم 2025، إذ كانت الأمطار دون المستوى بحدود 50 بالمئة، أدت إلى فشل الزراعة البعلية 100بالمئة، وتضرر الزراعة المروية بحدود 25 بالمئة على الأقل، وانخفضت مستويات المياه الجوفية بشكل كبير، وتأذت أشجار الزيتون والفستق الحلبي وانخفض الإنتاج.
خسارة المحاصيل
ويرى مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية في هيئة البحوث العلمية الزراعية الدكتور منهل الزعبي، أن التغير المناخي الذي تتعرض لها سوريا بشدة كبيرة وتواتر عال على الموسم الزراعي 2024-2025، وخاصة الهطل المطري من حيث التوزع غير المنتظم والكميات المنخفضة في الهطل مما أدى إلى خسارة المحاصيل الزراعية التي تزرع بعلاً، وأهمها المحصول الاستراتيجي الذي يعتمد عليه غذاء الشعب (الأمن الغذائي)، وهو محصول القمح البعل، إضافة إلى تراجع المروي منه حيث انخفضت توقعات الإنتاج منه إلى النصف، كما أدى الجفاف إلى ضعف المرعى الطبيعي ونباتات الرعي، مما انعكس سلباً على وضع الثروة الحيوانية خاصة في مناطق البادية.
وقد توقعت منظمة الفاو عجزاً غذائياً يبلغ 2,7 مليون طن من القمح في هذا العام، إذ إن هذه الكمية من القمح كانت كافية لإطعام 16,3 مليون شخص لمدة عام كامل، مما يشكل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي في البلاد، وقد أدى النقص في الهطولات المطرية إلى عدم نجاح الزراعة البعلية لهذا العام، وتناقص إنتاجية محصول القمح في كل المحافظات السورية بنسبة 20 بالمئة خلال فترة زمنية (30 عاماً) كما تناقص إنتاج الزيتون بنسبة 50 بالمئة في المنطقة الساحلية خلال فترة زمنية (20 عاماً).
وبين د.الزعبي أن الجفاف أثر سلباً على حرائق الغابات وبنتيجة الظروف المناخية المناسبة للحرائق ازداد عدد هذه الحرائق في الغابات، والذي أثر سلباً بدوره على مخزون الكربون وكذلك التنوع الحيوي. واقترح عدة إجراءات منها رفع كفاءة استخدام المياه بتطبيق الري السطحي المطور باستخدام تقنية التسوية بالليزر والري بالمصاطب والري الحديث، واستمرار اعتماد الأصناف المتحملة للجفاف وذات الإنتاجية الاقتصادية، وتطوير سلالات الإنتاج الحيواني الملائمة وتطوير نظم قياس المتجدد المائي للموارد المائية الجوفية، وتعميم نظم ترشيد استخدام المياه، ووضع خارطة متطورة لاستخدامات الأراضي، وتحديث تصنيف الأراضي، وبرامج لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، واعتماد الأساليب العلمية في زيادة خصوبة الترب الزراعية، وتعديل المعادلة السمادية، وتطوير استخدام الأسمدة العضوية في الزراعة، وتنفيذ مشاريع خاصة بنظام الزراعة الحافظة، وتنفيذ تقنيات حصاد المياه.