إعادة إعمار سوريا.. معركة ضدّ الزمن والإمكانات المحدودة!

الثورة – رولا عيسى:

بعد أكثر من عقد على الحرب، يعاني الاقتصاد السوري من خسائر هائلة تقدر بحوالي 400 مليار دولار، فيما دُمّر أكثر من 50 بالمئة من البنية التحتية للبلاد، وفقاً لتقارير من الأمم المتحدة والبنك الدولي. هذا الواقع الصعب يفتح الباب أمام مرحلة “إعادة الإعمار”، التي باتت حديث الساعة محلياً ودولياً، خاصةً مع خطوات جادة باتجاه رفع العقوبات عن سوريا وبدء لقاءات وفعاليات لتوحيد الجهود نحو إعادة البناء.

صحيفة الثورة سلّطت الضوء على رؤية قدّمها الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الدكتور محمد شعبان على جزئين. ويرى الدكتور شعبان أن إعادة الإعمار ليست مجرد استعادة لما كان، بل فرصة ذهبية لتطوير سوريا على أسس أكثر استدامة، وبتوظيف أدوات وتقنيات حديثة. وفقًا للدكتور شعبان، يجب أن يتّسم التخطيط بهذه المرحلة بالابتكار، بعيداً عن النمط التقليدي، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبناء المستدام.

خصائص وأولويات

ويُعرّف مرحلة “إعادة الإعمار” بأنها المرحلة التي تلي الحروب أو الكوارث الطبيعية والاضطرابات التي تصيب البلد أو جزءاً منه، إذ يكتنف الدمار العديد من المجالات الحياتية والمرافق العامة. ويتابع: عند انتهاء الحروب أو الكوارث، تبدأ المرحلة الأهم، وهي مرحلة “إعادة الإعمار”، وتهدف إلى إعادة الحياة إلى ما كانت عليه أو حتى تطويرها على أسس ومعايير جديدة ومتطورة، كما يمكن من خلالها استثمار الكارثة لخلق فرص جديدة في مجالات عديدة. ويشير إلى أن سوريا واحدة من الدول التي تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة النطاق، ويجب أن تتزامن هذه المرحلة مع الابتكار في استراتيجيات التخطيط والتنفيذ. على سبيل المثال، والكلام للدكتور شعبان، يمكن إعادة إعمار مناطق العشوائيات وفقاً لمعايير التخطيط العمراني الحديث الذي يعزّز من استدامة البيئة، مثل العمارة الخضراء واستخدام الطاقة النظيفة، وتتجلى هذه الفرص من خلال الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، مثل التجربة الألمانية واليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد قدمت تلك التجارب دروساً قيّمة حول التخطيط الفعال والحدّ من الهدر.

مشاريع ذات أولوية

ويتابع: من الجوانب الأساسية التي تميز مشاريع إعادة الإعمار، ضرورة اختيار المشاريع ذات الأولوية مثل مشاريع الإسكان، ومشاريع البنية التحتية، خاصة التي تتعلق بالخدمات الضرورية مثل المياه والكهرباء والطرق، بالإضافة إلى السرعة في الإنجاز من دون التضحية بالجودة. فهذه المشاريع، من وجهة نظر أستاذ الهندسة، تتطلب التنسيق الكامل بين مختلف القطاعات على مستوى المنطقة أو الإقليم، بحيث تساهم في استعادة الحياة الطبيعية بأسرع وقت ممكن، كما يجب أن تكون هناك موارد مالية وبشرية وتقنية كبيرة لضمان نجاح المشاريع. فيما يتعلق بأولوية مشاريع إعادة الإعمار، من المهم أن نركز أولاً على المشاريع التي تدعم القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السوري، ومن أبرز هذه المشاريع، بحسب الدكتور شعبان، هي مشاريع الطاقة فهي تشكل شريان الاقتصاد، بالإضافة إلى مشاريع الإسكان السريع لإعادة المهجرين إلى مناطقهم، وينبغي أن تتمّ إعادة إعمار المناطق المدمّرة وفق تخطيط حضري حديث، مع مراعاة حقوق المالكين، بما في ذلك في المناطق العشوائية. وبعد ذلك، تأتي مشاريع البنية التحتية الأساسية مثل النقل والمواصلات من مترو أنفاق، وجسور، وسكك حديدية، ومطارات، وأخيراً في المرتبة الرابعة، تأتي المشاريع التطويرية التي تساهم في جذب السياحة، مثل إنشاء الأبراج، والمولات، والمشاريع السكنية الحديثة، وفقاً لرؤية الدكتور شعبان.

من وجهة نظر الدكتور شعبان، رغم الفرص الكبيرة التي تتيحها مرحلة إعادة الإعمار، فإنها لا تخلو من التحديات، وتعدّ أبرز هذه التحديات التمويل، ويُعتبر التحدي الأكبر أمام الحكومة هو تأمين الموارد المالية الكافية للقيام بمشاريع ضخمة تتطلب استثمارات ضخمة. وهنا يشير إلى أن أحد الحلول المتاحة هي الشراكة مع القطّاع الخاص، مثل نموذج البناء-التشغيل-النقل (BOT)، وعليه يتمّ تنفيذ المشاريع عبر شراكة بين الحكومة والقطّاع الخاص، ويمكن كذلك أن يساهم المغتربون السوريون في تأمين جزء من التمويل، إذا توفرت الظروف المناسبة.

من التحديات الأخرى التي تواجه عملية إعادة الإعمار،بحسب الدكتور شعبان، هي التحديات التكنولوجية والفنية، فقطاع التشييد والبناء في سوريا يعاني من تأخّر ملحوظ مقارنةً بالدول المجاورة، وهو ما يتطلّب نقل التكنولوجيا الحديثة وتبني أساليب البناء المتطورة لتقليل التكاليف وزيادة الجودة.

كما أن نقص الكوادر الفنية المدربة، وفقاً للأستاذ الجامعي، يعد من أبرز المعوقات، بسبب هجرة العديد من الكفاءات السورية خلال فترة الحرب، لذلك من الضروري إشراك الكوادر السورية المغتربة، التي تمتلك خبرات عالمية في عملية التدريب والعمل على مشروعات إعادة الإعمار.

الفرص المستقبلية

تتميز المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار بفرص كبيرة لتطبيق تقنيات حديثة في البناء، مثل العمارة المستدامة واستخدام الطاقة المتجددة، ما يسهم في خلق بيئة حضرية صديقة للبيئة.

وهنا يقول الدكتور شعبان: لا شك أن التركيز على استخدام تقنيات البناء السريع والمنخفض التكلفة سيعزز من قدرة المشروعات على التنفيذ بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وتجربة الدول التي نجحت في إعادة إعمارها بعد الحروب، مثل ألمانيا واليابان، تبقى مرجعاً مهماً يجب على سوريا الاستفادة منه في مراحل التخطيط والتنفيذ.

كما أن التحسينات على البنية التحتية في قطاع النقل، مثل تطوير السكك الحديدية والمطارات، وفقاً للدكتور شعبان، ستلعب دوراً محورياً في تحسين الحركة الاقتصادية والتجارية، وتسهيل حركة الناس، بما في ذلك المهجرين السوريين الذين بدأوا يعودون إلى مناطقهم، وإعادة الإعمار لا تقتصر فقط على استعادة البنية التحتية المدمرة، بل تسهم أيضاً في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال المشروعات الإنتاجية والتنموية، ما يفتح آفاقاً جديدة للنمو الاقتصادي في المستقبل.

الحوكمة وإدارة المشاريع

الخبير شعبان يتابع رؤيته في مرحلة إعادة الإعمار، ويرى أن إدارة مشروعات إعادة الإعمار هي العنصر الحاسم لضمان تنفيذ المشاريع بكفاءة وفاعلية، لذلك فإن تطبيق أساليب الحوكمة الحديثة مثل “مكاتب إدارة المشاريع” (PMO) يعد خطوة ضرورية لضمان الشفافية والتنسيق الفعال بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة، كما أن تعزيز قدرات الإدارات المحلية في التعامل مع هذه المشروعات وتنظيم العمل في إطار خطة موحدة سيساعد في تفادي العشوائية والتأخير.

من الأهمية بمكان أن تركز عملية إعادة الإعمار على تطبيق أعلى معايير الجودة في التنفيذ، بحسب الخبير والأستاذ الجامعي، مع تحديد المهل الزمنية والميزانية بشكل دقيق لضمان عدم الهدر، وكما أثبتت تجارب أخرى في المنطقة، فإن الاعتماد على خبرات الشركات العالمية في إدارة المشروعات مع التزامها بنقل الخبرات وتدريب الكوادر المحلية سيعزز من قدرة سوريا على إعادة البناء بشكل سريع وفعّال.

دور المغتربين

يلفت الدكتور شعبان إلى أن المغترين السوريين يمثلون حجر الزاوية في إعادة إعمار سوريا، ليس فقط من حيث التمويل، ولكن أيضاً من خلال خبراتهم القيمة التي اكتسبوها في دول مختلفة، ويجب أن تُتاح لهم الفرص للاستثمار في مشروعات إعادة الإعمار، مع ضمان بيئة قانونية وتشريعية تسهل عودتهم إلى السوق السوري.

ويختم بالقول: كما أن التعاون الدولي سيكون له دور أساسي في تسريع عملية إعادة الإعمار، ورفع العقوبات عن سوريا سيسهم في تسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويعزز من القدرة على استيراد التقنيات المتطورة التي تسهم في تسريع عملية البناء.

آخر الأخبار
"التربية والتعليم ": الإشراف التربوي في ثوب جديد وزير الداخلية يترأس اجتماعاً لبحث الواقع الأمني في ريف دمشق "المواصلات الطرقية": نلتزم بمعايير الجودة بالصيانة وضعف التمويل يعيقنا البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بـ216 مليار دولار "صحة اللاذقية" تتابع 24 إصابة بالتهاب الكبد A في "رأس العين" حملة إزالة الأنقاض تعيد الحياة إلى شوارع بلدة معرشمشة سوريا والصين.. رغبة مشتركة في تصحيح مسار العلاقات زيارة الشيباني المرتقبة إلى بكين.. تعزيز لمسار التوازن السياسي هل تعوق البيانات الغائبة مسار التعافي في سوريا؟ شوارع حلب تقاوم الظلام .. وحملات الإنارة مستمرة التوغلات الإسرائيلية تصعيد خطير ينسف أي حلول دبلوماسية مرفأ اللاذقية يستقبل أضخم باخرة خشب قادمة من إندونيسيا عطل طارئ يحدّ من سرعة الإنترنت و"السورية للاتصالات" تتعهد بإصلاحه سريعاً تفكيك شبكات خطف وانتحال صفة رسمية في حمص ودمشق الخبرة الأردنية..تعزيز قدرات الموارد البشرية السورية "التربية والصحة" توحدان الجهود للوقاية من اللشمانيا عندما تتحول الجرائم الفردية لمادة خصبة لحملات التضليل الممنهج! أزمة أدوية السرطان والتصلب اللويحي نحو الانفراج هل نستطيع بناء قاعدة إحصائية دقيقة؟ "البلليرمون الصناعية" بحلب تبحث تحسين خدماتها