ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لا يبدو التلميح الأردني إلى المنطقة العازلة الذي وصل إلى حدّ التصريح بريئاً، ولا هو بمعزول عن سياق الدور الأردني الوظيفي في تسويق مفاتيح إضافية تكون في العادة عبئاً على السياسة الأميركية أو محرجة لبعض تجلياتها في المنطقة، بعد أن اعتاد الأردن الرسمي على النطق بمكنونات السياسة الأميركية قبل أن تغادر مكاتب استخباراتها وأدراج سياسييها.
فالتجرّؤ الأردني -بمعيار التوقيت والمضمون- لم يكن من بوابة الكفاءة السياسية، ولا هو في إطار المزاوجة بين الدور والوظيفة التي اعتاد العرش الأردني أن يكون السبّاق إلى تقمّص حضورها قبل أن تكاشف بذاتها في سراديب المنطقة، بقدر ما يعكس ارتجاجاً في المقاربة السياسية الإقليمية والدولية، حيث المقارنة الوحيدة المتاحة لا تستطيع أن تتجاوز الطرح التركي ولا تتمكن من تجاهل العامل الإسرائيلي فيها.
بكل الحالات تبدو «المنازلة» السياسية الأردنية نوعاً من الفكاهة السمجة والنكتة السياسية الثقيلة الظل، وإن بدت محاولة لتكون بديلاً عن التركي الذي وصل إلى حائط مسدود، خصوصاً بعد إعلان كل من ألمانيا وأميركا النية بسحب «الباتريوت» من الأراضي التركية في رسالة لا تحتمل الكثير من التفسير والتحليل، ولا تستطيع أن تكون في حِلٍّ من المقارنة أو بعيدة عن الارتباط المباشر.
المفارقة قد لا تكون في أن النسخة الأردنية من المناطق العازلة أو الآمنة قد جاءت بعد فشل الأصل التركي، ولا في الجزم بأن الطرح جاء في وقت بات العالم يدرك فيه أنه لا يقدم ولا يؤخر، حتى في مجال الدعاية السياسية، بقدر ما هي تقطيع إضافي للوقت لن ينفع في شيء، سوى أنه يضيف إلى الحالة الأردنية ما هي في غنى عنه ولا حاجة لها به.
فالجميع يدرك أن المسألة أعقد من قدرة الأردن على الدخول في متاهتها، وليس هناك من لديه الاستعداد حتى للتفكير، ناهيك أن الاشتراط الأردني بموافقة الأمم المتحدة يمثل حالة استحالة إضافية لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ليبقى السؤال عمّا يريد الأردن قوله، وعن الرسالة التي يريد أن يوصلها ؟!!
في المبدأ لا تبدو أي إجابة قادرة على تفسير ما يحصل، ولا أن تحيط بأبعاد الحديث وتوقيته، إلا إذا كان الأردن مجبراً عليه في هذه الظروف لتبقى عصا التخويف مشهرة، وهاجس التفجير قائماً وربما حاضراً في سياقات الأدوار للدول الوظيفية المنخرطة في مشروع الإرهاب، لكن هذه المرة ليس للحساب الأميركي الذي أفرغ ما في جعبته وانتهى بعد أن صدّعت رأسه المطالبات التركية.
لذلك ذهبت بعض التفسيرات إلى الجزم بأن الحديث الأردني جاء هذه المرة ليصب حصرياً في الحساب السعودي والإسرائيلي، حيث المقاربة الواضحة بأن السعودية التي غسلت يديها من التركي وأدركت فشله في تنفيذ ذلك، وجدت في الخيار الأردني فسحة للمشاغبة على المناخ الدولي الذي يتجه للاصطفاف على نحو مغاير للرغبة السعودية، وهذا ما اتضح من خلال التصعيد الأخير ورفض المبادرات والذي يحتاج إلى مناخ يلائمه، فوقع الاختيار على الأردن ليكون ساحة للمواجهة المفتوحة بين اتجاهين وخيارين.
ليس من الصعب إدراك أن الأردن ليس له ناقة ولا جمل في الحالين، وأن الكثير من خياراته المرئية والمخفية تواجه باباً ينزلق به إلى المجهول، وأن التهديدات الارتدادية الناتجة في المنطقة قد تجتاحه في أي لحظة، والمخاوف لم تعد فقط للتحذير بل باتت واقعاً يُقلق إلى حدّ الرعب مضاجع القرار الأردني، حيث يلمس وعن قرب أن أميركا لا تدير ظهرها للخاسرين فحسب، وإنما تبادر إلى التخلي عنهم من دون أن تشعر بالذنب أو بالحرج.
وفي المهمة الصعبة التي تواجه الأردن يبدو جلياً أن ورطته أبعد من حدود الاستجابة للسعودي أو التمترس من جديد بيدقاً في الخندق الإسرائيلي وعلى المقاس الذي يبقى مسكوناً حتى إشعار آخر بهواجس الرعب من السيناريو القادم، حيث التجريب على خط النار لا يحتمل الخطأ ولا يقبل التكرار، باعتبار أن الخطأ الأول هو الأخير!!
a.ka667@yahoo.com