ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تتفاوت الصورة الذهنية المرافقة بين شتاء المكابرة والمراوغة وصيف الاختبار الجدي للنيات، وهي تستنسخ المشاهد الأولية عن بدء اتفاق وقف العمليات القتالية، وإن كانت تختلف من لحظة إلى أخرى، فيما تشكل الدعوة إلى تطبيقه والالتزام به خط التقاطع الوحيد، بين الغموض الحاد في التصورات والنقاشات،
رغم الشرح المسهب والمطوّل لكثير من التفاصيل والعناوين، وبين الوضوح الشديد في معايير الاستجابة التي بدت في بعض جزئياتها لافتة، وتحتاج إلى وقفة مطوّلة.
ساعات الاختبار التي مرت حتى اللحظة مجرد بروفة أولية، لتسجيل النقاط في خانة المكاسب السياسية واللوجستية، في موسم الهجرة إلى (الاعتدال)، أكثر مما تترجم صورة نهائية عن خريطة الأهداف والأجندات المتعارضة، رغم التقائها على بساط حلبة واحدة تداعبها التمنيات حيناً، وتتقاذفها الهواجس حيناً آخر، بدليل أن لغة التشكيك والاعتراف بصعوبة ما سيعترضه من عقبات، تشكل قصفاً تمهيدياً يصلُح ليكون المدخل التبريري لاحتمالات التعثّر، التي تلوح في أفق الحديث الدولي عنه، بما في ذلك حديث الأمم المتحدة المحمول على لسان مبعوثها الخاص، وهو ينقل المشهد من ضفة إلى أخرى ومن دون فواصل دالة عليه.
الخروقات الموضعية جاءت دليلاً إضافياً على الحال الذي قد يؤول إليه، حيث تعامل الحكومة السورية معه كان يؤشر إلى رغبة بعدم الانجرار إلى حيث يريد داعمو الإرهاب، وإلى حيث يخططون له، لكنه في معيار المعاينة لحدود الالتزام به يؤكد جزءاً من الصورة المرتسمة، ويضيف إليها ما قد يستجدّ من رتوش لتثبيت النقاط التي تم تسجيلها كجزء من سيناريو الضغط السياسي والإعلامي، والذي يبدو مرشحاً للازدياد في الأيام القادمة.
في الاستنتاج المباشر.. نجد بالضرورة أنّ للتنظيمات الإرهابية المسلحة – كما يحلو للبعض أن يسميها – مرجعية تحتكم إليها، وهناك خيوط رابطة وجامعة، تنتهي عندها وتسلم قرارها لها، وهذا يحتم الاستنتاج بناء عليه، وانطلاقاً منه، بحتمية العلاقة بين ما اقترفته تلك التنظيمات وما تمارسه، وبين من يمثلها سياسياً وفق معادلة واضحة المعالم والأبعاد، تتحدث في شقّها الأساسي عن أن ما جرى في الماضي كان نتاج فعل محدد وأمر عمليات واضح، وأن التصعيد أو التهدئة إنما يرتبطان بأجندات لا تخص الإرهابيين ولا ترتبط بقرارهم الذاتي، بقدر ما هي استجابة لمصالح مشغّليهم، والاثنان في نهاية المطاف لا يعكسان الرغبة بإنهاء الظواهر الشاذة التي أنتجها إرهاب عابر ومقيم .
وإذا كان من البديهي أن يكون الارتباط العضوي القائم حاضراً – حتى في التفاصيل المغيّبة- فإن ما يطفو على السطح يشكل مثالاً يمكن الاتكاء عليه لقياس عوامل القبول بما يحصل، وإن كان هناك اختلاف في التفسير أو التبرير أو التسويغ، حيث المهادنة في هذه النقطة تبدو أقرب إلى ترجمة قرار إقليمي أوسع مما يتم تداوله أو تسريبه، ومفاده الأساسي أننا أمام مشاغلة إضافية وحالة من الامتحان الفعلي للنيّات التي ستتدحرج بالضرورة، ولو بعد حين
عداد التنظيمات والفصائل التي قدمت موافقتها للأميركي يتحرك متخطياً عتبة المئة، في وقت تتأرجح فيه الصورة المفترضة، وتستدرج تباعاً أجزاء من الواقع الذي كان يُراد له أن يبقى خارج التداول، حيث التمثيل السياسي تشوبه الكثير من العوالق الإضافية الخارجة من نفق التجيير الدعائي وأذرعه المضافة لاحقاً لتسويغ وجود كيانات سياسية، عجزت عن إخفاء ما تعكسه من تشرذم حاد في جسد التنظيمات الإرهابية التي تقاتل في سورية تحت مسميات المعارضة.
في المبدأ هذا المشهد يكفي لقراءة ملامح الخطوات اللاحقة، كما يفسر الكثير مما مضى، حيث تبدو محاولة تغليف هذا الكمّ الهائل من التنظيمات بوجوه سياسية تعبّر عنها، مجرد لغو عبثي في ظل تنامي حضور بعضها وتلاشي البعض الآخر، وفي ضوء معطيات أن تشكيلها أو اندثارها لا يأخذ في بعض الأحيان أكثر من ساعات، حيث الأسماء والتوصيفات متبدلة ومتغيرة، ولا ترتكز على قاعدة ثابتة يمكن الركون إليها أو التعاطي معها، وقد شهدنا بروز أو غياب أسماء خرجت من التداول منذ زمن بعيد، ولا يزال بعضها على لائحة غير موجودة بالأصل.
قد يكون من المبكر الغوص في التفاصيل الناتجة أو المؤشرات اللحظية القائمة، بحكم أن هناك العديد من المنعطفات التي تنتظرها مفازات صعبة وخطرة، أغلبها حاصل نيّات مسبقة، تم تصنيعها لتكون نسخة من سابقاتها، في تجارب لا تزال ماثلة، رغم الفارق والاختلاف الذي تعبّر عنه حالة الإعلان، سواء كان لدى الحضن الأميركي أم اتجه نحو الروسي، في خريطة نيّات، وإحداثيات هروبٍ من توصيف بالانتظار، حيث تحاول –عبثاً- أن تجد أوجه التقاطع بين صيف المصالحة وشتاء المواجهة، أو نقاط التشابه بين «ربيع» الهجرة من ربقة الإرهاب وخريف رعاته وداعميه.
a.ka667@yahoo.com