ثورة أون لاين:
منذ عشرينيات القرن الماضي الموعد التقريبي لحلول الدولة العلمانية ومؤسساتها في تركيا بديلاً عن الخلافة العثمانية وسلاطينها، تعرضت تركيا إلى أزمات سياسية عديدة
توالت حتى مطلع الألفية الثالثة موعد حلول دولة «الإخوان المسلمين» برعاية رجب طيب أردوغان، وفي كل أزمة من تلك الأزمات كان ثمة حلول سياسية أو انقلابية يقودها الجيش الذي يسيطر لفترة ومن ثم يعود إلى تسليم السلطة للمدنيين مجدداً!
بعد أن بنت العلمنة المقتصرة على الجيش والمؤسسات دون المجتمع العميق الدولة التركية الحديثة، وصلت دولة رجب أردوغان إلى السلطة عن طريق ركوب صناديق الانتخابات، وشكلت انموذج سياسات جماعة الإخوان المسلمين في التخفي وراء الخطاب الديمقراطي والتمظهر بالحداثة مطية إلى السلطة.. وحينئذ تكون الهيمنة والتفرد والانقلاب على أقنعة الحداثة والديمقراطية لصالح أيديولوجيا الجماعة .. تماماً كما فعلت دولة محمد مرسي في مصر وكما فعلت دولة أردوغان وتفعل اليوم في تركيا ؟
وعلى الرغم من أن الأزمات التي عاشتها وتعيشها تركيا منذ نشوء دولة أردوغان، هي الأعمق والأكثر إفساداً لمفهوم الدولة الحديثة، وهي الأكثر تخريباً استراتيجياً للداخل التركي وعلاقاته المحيطية، وهي الأكثر التباساً في مقاييس الدولة المدنية ومعايير والتمدن .. إلا أن اخوان تركيا «العدالة والتنمية» وزعيمهم أردوغان استطاعوا النجاح في الانتخابات المتتالية التي شكلت رهاناً حاسماً في كل مرة على مصير تركيا.. وبما يثير جملة من التساؤلات في مقدمتها .. كيف!!
صحيح أن العلمنة وتحييد الدين عن الدولة نجح أول الأمر في استقطاب الأتراك الراغبين في التخلص من إرث الدولة الرثة وبناء الحداثة وبناء مجتمع جديد، لكنها في الوقت ذاته ظلت أسيرة نخبويتها وطلائعها السياسية والثقافية، ولم تشكل حالة ثورية لا في الوعي العام التركي ولا في الوجدان الجمعي للغالبية التركية المسلمة، واللذان ظلا يرزحان تحت وطأة العقيدة والدين والطائفة، وليس من الواضح تماماً السبب في تلك القطيعة بين العلمنة بوصفها حداثة وبين الوعي والوجدان بوصفهما ضميراً عاماً، أي هل كانت العلمنة عاجزة عن تحطيم تكلس الوجدان في المجتمع التركي .. أم ان تصلب هذا الوجدان أكسبه المناعة من تقبل الحداثة والتطور؟
الإخوان وأردوغان استغلوا جانبي المعادلة بطريقتهم الميكيافيلة، فمن جهة بلغوا السلطة بأدوات الحداثة والعلمنة أي الصناديق الانتخابية، ومن الجهة الثانية .. وحين وصلوا، عادوا إلى استقطاب الوجدان العام وبنيته الذهنية العقائدية، وبما يعيد انتخابهم مرة تلو المرة رغم الحال المزرية التي دفعوا تركيا إليها، ورغم أخطار التطرف والإرهاب التي تعشش اليوم في المجتمع التركي الذي ما يزال مأخوذاً بنموذج المشروع الإسلامي كمشروع نهضوي؟
النموذج التركي الأردوغاني إياه يفسر النموذج السعودي بل والخليجي عامة، إذ ورغم كل ما تتعرض له شعوب هذه الكيانات السياسية من أزمات بنيوية تكلّس جهلاً وتخلفاً وتبعية، وتنمّط مظاهر اللاعدالة واللامساوة في توزيع الثروة والخير العام، فإنها لا تزال تراهن على قياداتها تحت وطأة التعصب الأعمى .. ليس إلا؟
خالد الأشهب