ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
ينبش الأميركيون بعد طول تجاهل الورقة الأردنية لتشعل الأضواء على الجبهة الجنوبية، التي تجاوزتها التطورات لبعض الوقت، وسط تموّج في التوقعات والتخمينات عن الأحجيات الفعلية التي تقف خلف الحظوة الأميركية المتأخرة،
والدفع بخيار الأردن ليتقدم على سواه، في توقيت يشرح بعضاً من الغموض والالتباس في المسعى الأميركي.
التلقّف الأردني للتلويح الأميركي لم يأخذ وقتاً، بل لم يكن الأردن بحاجة في لحظة من اللحظات للإشارة الأميركية كما هي حاجته اليوم، وسط انزلاق في الحسابات وتغييرات دراماتيكية في المعادلات ولَّدت فراغاً متواتراً وفجوات كبرى في التحالفات المعلنة والمضمرة على حدّ سواء، ناتجة في معظمها عن شعور واضح بالخشية من هرولة السعودي الذي وصل إلى ذروة تحوّلاته في نطاق استدارته العلنية باتجاه إسرائيل، وما يمكن أن يُبنى عليها لاحقاً لجهة الخيار الأردني، الذي يتم إخراجه من الأدراج الإسرائيلية ليكون الورقة المنتظرة لتصفية القضية الفلسطينية.
الأخطر كان المسعى الإقليمي الواضح باتجاه تلمُّس موضع القدم على أرضية منزلقة، وتشي بكثير من الاهتزازات الموازية على صُعد مختلفة، وأبحرت في سياقها العديد من المناقشات التي دفعت إلى الجزم بأن الأردن لا يخفي مخاوفه وهواجسه من ابتعاد أميركي واضح، وتخلٍّ شبه فعلي عن الاعتماد عليه، بعد سلسلة من التجارب المخيبة والمريرة بالنسبة للأميركيين، وآخرها تبدُّد متدربيها من المرتزقة وسط صحراء التنف وما بعدها في حادثة قد تكون الأغرب والأكثر مدعاة للسخرية، وبالتالي كانت إعادة الحياة إلى غرفة «الموك» في عمّان تمثل خشبة خلاص منتظرة، تعيد شيئاً من الأمل للأردن باستعادة دوره الوظيفي داخل الخيارات البديلة للأميركيين.
خلط الأوراق الأميركي جاء على خلفية تبعثر الخطوط العريضة والخيوط المتعددة، التي كانت تمسك بها الإدارة الأميركية، حيث الانقلاب التركي لم يكن على أردوغان وزمرته، بقدر ما يعكس انقلاباً في التعويل على الدور التركي القادم الذي يتحضّر لإعلان إفلاسه رسمياً، ولو جاء بالمداورة أو تحت غطاء ما يجري في تركيا من تداعيات، حيث لا تخفي الأروقة التركية مجاهرتها، وإن بدت همساً بأن تطورات قادمة ستدفع به إلى اعتماد مقاربة تشي ببدء مرحلة من المناكفة مع الأميركي، حتى لو كانت مضمرة أو مخفية، حيث تكبر الشكوك لديه بنيّة إدارة أوباما وترتيباتها.
وتحسُّباً لمرحلة يبدأ فيها التركي بسحب أوراقه من السلّة الأميركية، تعيد واشنطن إلى الإمساك بالخيوط انطلاقاً من الأردن الذي يبقى مطواعاً، وأبدى لهفته لعودة الدفء إلى دوره الوظيفي، دون أن يتردد عن استعداده للتبرُّؤ من أي تنسيق جرى أو قد يجري مع الروسي مهما كان العنوان، وتحت أي ذريعة جاء، وهذا ما يفسر إعادة هيكلة غرفة «الموك» في عمّان، وترتيب عضوية المشاركين بعد الحديث عن انسحاب تركي مقابل دخول قطَري تعويضاً مرحلياً، أو ليكون ممثلاً للتركي في مرحلة لاحقة، أو صوته في غيابه عن عمليات التنسيق.
الخطأ الأردني ليس في العودة إلى التعويل على الأميركي والرهان على الدور الوظيفي مجدداً، بقدر ما هو في مساحة السذاجة التي يتعاطى معها في عودته إلى حافة الهاوية من بوّابة التأزُّم التي يواجهها الأميركي ويدركها الأردني أكثر من سواه، رغم يقينه بأن التأزُّم الأميركي لا يعني أبداً المجاراة على حساب الإسرائيلي، أو أنه يمكن له أن يؤمِّن الحماية للأردني من خيار سعودي إسرائيلي، يتم تحضيره ليعود الأردن عبره إلى مربعه الأول حيث الحلّ على حسابه ومن حسابه.
أميركا لا تعود إلى الخيار الأردني لمجرد أزمة عابرة، وحديث وزير حربها عن توقه للبدء من الجبهة الجنوبية يخفي خلفه مستنقعاً طويلاً يُغرق الأردن في حسابات أكبر من حجمه ومقدرته.. وأكثر اتساعاً من دوره الوظيفي بنسخته الجديدة، واستنجاده بالقطَري لن يغيّر من الواقع شيئاً، وإذا كان في تجارب سابقة فرق حساب حين تحضر المحاصصة على الأدوار، فإنه في هذه المحاصصة بطبعتها الجديدة والـمُعدّة مجرد خريطة لإحداثيات تقاسم الحساب بين الإسرائيلي بحلمه القديم، وبين الإرهاب بطابعه الجديد، حيث العبث الأميركي حين يصل إلى حافة الهاوية يبيت الأردني مجرد أطلال للمشهد وسط انزلاقات في السياسة.. وفي الخيارات.. وفي الخرائط والإحداثيات!!
a.ka667@yahoo.com