ثورة أون لاين- خالد الأشهب:
من طبيعة الأنظمة الرأسمالية في نشأتها وتطورها الاقتصادي الاجتماعي أنها تصبح عابرة للحدود والقارات، حين تبلغ مرحلة التوحش وتصير دماء الآخرين ضرورة لابد منها كي ينتظم عمل القلب في الجسد الرأسمالي وكي يتوهج عقله بـ “ الإبداع “، الذي يسحر القلوب عادة بانجازاته ويستقطب العقول بثقافته الخاصة ومدنيته !
ولأن جملة من الظروف الخاصة والعامة القائمة والمتطورة داخل الأنظمة الرأسمالية ومجتمعاتها وخارجها على السواء.. من بينها مرارة تجارب حركات التحرر والاستقلال التي ملأت القرن العشرين، تمنع الانظمة الرأسمالية اليوم من إعادة تجارب الاستعمار المباشر وتجارب الانتداب والوصاية وغيرها للشعوب والمجتمعات، لتوفير جرعات الدم في شرايين تلك الأنظمة، فقد كان لابد من توفير تلك الجرعات عبر أدوات جديدة ومستحدثة دون الخروج عن فلسفة الاستعمار ودون استثارة القيم الوطنية التحررية مجدداً، وعبر بث منظومة قيمية جديدة وبديلة أبرز مفرداتها الحريات الفردية والحقوق المدنية والديمقراطيات وغيرها !!
الإرهاب الديني والطائفي، والإسلاموي تحديداً، في العالمين العربي والإسلامي وفي محيطيهما وجوارهما، واحد من عدة الشغل التي يعملها النظام الرأسمالي العالمي اليوم داخل هذه العوالم ومجتمعاتها قتلاً وتخريباً وإيلاماً، ثم ليقدم نفسه لاعباً أساسياً وبمشروعية كاملة في عملية ما يسميه الحرب على الإرهاب، وهو يعلم سلفاً أن ثمة بيئة اجتماعية ثقافية في هذه العوالم تتكفل، بجهلها وتخلفها وانحطاط وعيها، تنمية مختلف أطراف اللعبة الإرهابية وبذورها، وبحيث لا يبدو الأمر عملاً خارجياً ممنهجاً ومنظماً، بل صناعة محلية بحتة… وعلى نفسها جنت براقش؟
على هذه القاعدة من طرائق التفكير والتخطيط، تحضر الأنظمة الرأسمالية ودبلوماسياتها واستراتيجياتها كحكم فيصل “ نزيه وشريف وإنساني “ أو لنقل كاستعمار مباشر لكن غير مرئي أو مجوقل، للفصل بين الأخوة المتعاركين المتدرجين نسبياً في تطرفهم وقساوة قلوبهم وعقولهم ولجني النصيب الأكبر من جرعات الدم المتطايرة هنا وهناك؟
إن لم يكن الأمر على هذا النحو من التخطيط البعيد المدى، والذي يعيد تجلي تجارب الاستعمار المباشر ومواصلة تغذية الآلة الرأسمالية بدماء الآخرين في مرحلة توحشها.. فكيف نفسر إذاً حرص الأنظمة الرأسمالية الغربية “ المدنية الإنسانية “ وفي مقدمتها الأميركية والبريطانية والفرنسية على تسمية الخليجيين الأثرياء بالأصدقاء والحلفاء.. وهم الأشد تخلفاً ولا إنسانية بين شعوب الأرض ومجتمعاتها؟
ولو لم يكن الأمر على هذا النحو من التفكير والتخطيط.. فكيف نفسر إذاً استغراق حكومات الغرب الرأسمالي اليوم وأجهزة مخابراتها فقط بالبحث عن المرجعيات المباشرة والقريبة لكل عمل إرهابي يقع في بلدانها، وفي توصيف ذلك العمل بأنه فردي وعابر.. وهي تعلم سلفاً أنه حصيلة فكر وثقافة مصدر شبه وحيد هو الوهابية السعودية التي تتجاهلها تلك الحكومات وتنأى بنفسها وبشعوبها ومجتمعاتها عن الاصطدام بها.. فيما ترشف ما لديها من ثروات وخيرات؟
الوعي يعني في ما يعني السعة والاتساع، ولطالما غابت سعة واتساع البحث عن أسباب ما نحن فيه فقد غاب وعينا بغيابها.. أليس هذا جزءاً مما يحدث فعلاً؟