أصبحت هماً يؤرق.. النقل الجماعي بدمشق مشكلة تتفاقم منذ عقود!!.. طوابير في مراكز الانطلاق.. ووعود بحلول إسعافية وأخرى مستدامة؟
ثورة أون لاين:
منذ عدة سنوات وأزمة النقل الداخلي بدمشق وبعض المحافظات الأخرى مستمرة بل وتزداد وتتفاقم خاصة مع بداية افتتاح المدارس والجامعات لتصبح أكثر تعقيداً وازدحاماً حتى أصبحت كابوساً لدى العديد من فئات المجتمع ،
حيث يدهشك ما تسمع من شكاوى ومظاهر وسلوكيات و….و… أصبحت على لسان الجميع …في جلساتهم وسهراتهم وأحاديثهم اليومية .
هذه المشكلة المستمرة منذ عشرات السنين لم تستطع الجهات المعنية حلها ، أو وضع ضوابط ناظمة لها ، بل تكتفي في كل مرة بإطلاق الوعود وأنها (ستخرج الزير من البير) لكن ذلك يبقى في إطار التنظير والحكي رغم أن هذه الجهات نفسها تتحفنا بمسوغات ومبررات عديدة وكثيرة ما انزل الله بها من سلطان وقد تكون بعض هذه المبررات معقولة ومنطقية ….
لكن غير المعقول أن تبقى وتستمر هذه المشكلة المجتمعية والجماعية تنغص شرائح واسعة والمعنيون لا حول ولا قوة ، على الأقل أو بالحد الأدنى لابد من وضع حلول اسعافية أو غير اسعافية … إجرائية … وقائية … لمنع تفاقمها وتوسعها خاصة في أوقات الذروة أو خلال مرحلة بدء العام الدراسي.
خلال جولتنا الى أكثر من مكان لا يختلف المشهد أبداً … طوابير من البشر تتجمع في عز الصيف يكدها العرق ويعلو وجوهها الانفعال والغضب والترقب لحافلة أو وسيلة نقل قادمة ليتحول المشهد إلى سباق وتدافع وفي بعض الأحيان (عراك) للظفر بمقعد أو حتى فرصة للدخول إلى الحافلة ولو على (الواقف) ….!
المشهد التقطناه صوتاً وصورة تحت جسر السيد الرئيس ، حيث حدثنا عدد من المواطنين قائلين :
المسلسل الذي ترونه بكل مظاهره وتداعياته يحدث معنا كما مع غيرنا يومياً سواء أكان صباحاً من مكان مغادرتنا لأماكن سكننا أو ظهراً من هذا المكان (جسر الرئيس) . في كل مرة الوعد بإيجاد حل ، لكن دون جدوى ، وهذا تعودنا عليه ولم نعد نصدقه أبداً ، الناس هنا ملت وتعبت وكرهت نفسها مما تعانيه ، حيث لا حسيب ولا رقيب ولا مجيب …؟!
عدد آخر من النسوة تحدثن عن تأخرهن في الوصول إلى بيوتهن حتى المساء وقد قمنا بإيجاد حل ولو على مضض مكرهين بأن يجتمعن كل أربعة أو خمسة ويطلبن سيارة أجرة توصلهن …!!
طبعاً وبكل تأكيد هذه المعاناة وهذا الرصد الميداني والاستطلاع ينطبق على 95% من محاور الخطوط خاصة في مزة جبل 86، ومساكن العرين – حي الورود ، وعش الورور ، مهاجرين صناعة ، جرمانا ، طبالة …الخ
السرافيس والنقل الداخلي
عندما تقوم الشركة العامة للنقل الداخلي بتسيير بعض من باصاتها على خطوط أخرى كانت تخدمها السرافيس فقط نتيجة حدوث ازدحام أو اعتراض أصحاب هذه السرافيس على التسعيرة ، فإن العلاقة بين هذه السرافيس والشركة تتعرض لبعض المشاكل والمشاحنات ويلجأ بعض من أصحاب السرافيس إلى منع من يستخدم باصات النقل الداخلي من المواطنين من فرصة استخدام السرفيس ويختلقون لذلك اسباباً مختلفة وأعذاراً واهية و… و… وفي عدة حالات تصل المشاحنات إلى (العراك) أو الامتناع عن العمل ليكون المواطن هو الضحية بين الجهتين ..!!
ويؤكد معظم المواطنين الذين يستخدمون هاتين الوسيلتين للنقل بأن طبيعة العلاقة بين سائقي السرافيس وسائقي باصات شركة النقل الداخلي غير صحيحة بل متوترة خاصة تلك الخطوط التي لم تكن الشركة تعمل عليها ونتيجة هذه العلاقة تنعكس عليهم…!!
المهندس كميل عساف مدير الشركات والمؤسسات في وزارة الإدارة المحلية يؤكد أنه أمام هذه المشكلة وخلال الفترة الماضية اهتمت الحكومة والجهات المعنية بموضوع النقل الداخلي وإيجاد حل لتفعيل وتنشيط هذا القطاع الحيوي الهام، حيث لايمكن حله بشكل جذري أو غير ذلك إن لم يكن هناك تنوع في وسائط النقل الداخلي الجماعية (الباصات) وقطار السكك الحديدية المترو وغيرها وسبق للحكومة قبل الأزمة أن بدأت بموضوع إحداث خط مترو يربط السومرية بالقابون ووصلت الدراسة إلى مراحلها الأخيرة والنهائية واقتربت المباشرة بالتنفيذ إلى أن وقعت الأزمة الراهنة وتوقف المشروع…!!
كما درس المعنيون بالنقل الداخلي انشاء خط ( مونوريل) وهو قطار محمول على سكة واحدة والدراسة موجودة … أيضاً توقف العمل بها ليبقى موضوع الباصات…!!
مسرب خاص لباص النقل
يقول مدير الشركات والمؤسسات في وزارة الإدارة المحلية أن الحكومة تسعى إلى زيادة عدد الباصات في شركات النقل الداخلي المنتشرة في أكثر من محافظة ..إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال ، موضحاً أن موضوع النقل الداخلي كي ينجح ويكون فعالاً فهو بحاجة إلى عدة خطوات منها:
وضع مسرب خاص للباصات على الطرق يسمح للباص بعدم الوقوف في الازدحام أو التأخير ويكون بذلك طريقه مفتوحاً وسارياً ولا يعيقه شيء وهذا يشجع كثيراً على استخدامه لأنه يحقق شروط العمل تماماً وهذا الأمر قامت به محافظة دمشق على خط السومرية مزة – أمويين- شارع معرض دمشق الدولي القديم – شارع الثورة وصولاً إلى القابون وكان هذا المشروع جاهزاً للتنفيذ مع بداية العام 2011 لكنه توقف…!!
ويؤكد عساف أن هذه الأمور والمشاريع التي تحدثنا عنها لو تمت لتركت تحسناً ملحوظاً وخلقت نقلة نوعية هامة في موضوع النقل الداخلي .. ولكن..!!.
ظروف ووقائع
ويقر المدير السابق للشركة العامة للنقل الداخلي أنه لا يمكن لأحد أن ينكر وجود أزمة نقل داخلي في مدينة دمشق وهي نموذج للمدن الأخرى، وقد ازدادت وتفاقمت هذه الأيام لعدة أسباب منها أن الشركة قبل بدء الأزمة كانت تشغل حوالي /550/ باصاً، قسم منها وضع في خدمة المجهود الحربي وآخر تعطل ، وقسم آخر فقد وما إلى ذلك … حيث لم يبق سوى/180/ باصاً في الخدمة على شبكة الخطوط الجماعية وكذلك المشغلون من القطاع الخاص أيضاً، حيث كان هناك حوالي ٥٠٠ باص لم يبق منها إلا حوالي ٢٠٠ باص، هذا الفارق الكبير بين ما كان في العمل وما خرج عن الخدمة ترك أثراً كبيراً في تفاقم أزمة النقل الداخلي.
إضافة إلى أن هناك قسما من الشوارع الرئيسية والفرعية مغلقة إلى جانب كل ذلك فقدان الخبرات الفنية من شركات النقل الداخلي مع السائقين وما رافقه من غلاء في مادة المازوت والقطع التبديلية والإصلاحات.
١٠٠ باص جديد
ويبين عساف أنه للتغلب على جزء من مشكلة النقل الداخلي والحد من تفاقمها قمنا بعدة خطوات أهمها شراء ٢٠٠ باص تم وضعها بالخدمة مطلع هذا العام وزع منها على شركات النقل الأخرى ٢٠ باصا لكل من حلب وطرطوس واللاذقية و ٨ لحماة و٧ للسويداء، وتم وضع دفتر الشروط الفنية لشراء ١٠٠ باص جديدة.
وهناك احتمالات لإمكانية توريد عدد من الباصات من روسيا وإيران حيث يتم حالياً وضع الدراسة اللازمة لذلك.
ورداً على سؤال الثورة حول إيجاد حلول إسعافية وسريعة أجاب عساف أن ذلك لن يكون إلا من خلال شراء أعداد إضافية من باصات النقل الجماعي وما تحتاجه مدينة دمشق وريفها القريب هو بحدود الـ ٢٠٠ باص وهذا الأمر وحده كحل إسعافي يحسن واقع النقل الداخلي ويخفف من الأزمة لمدة لا تقل عن العامين ريثما تتهيأ الظروف والحلول المستدامة التي ذكرناها سابقاً .
وكل معايير التطوير الإداري وما شابه لن تجدي نفعاً إن لم يكن هناك وسائل التشغيل لخدمة المواطن كالباصات.
من 2 إلى ٢٥ خطا
المدير العام للشركة العامة للنقل الداخلي المهندس سامر حداد يقول: في بداية العام ٢٠١٥ كان يعمل لصالحها ٢٠ باصا فقط على خطي الدوار الجنوبي وباب توما حيث كان هناك غياب شبه كامل للشركة عن تخديم المدينة وخطوطها وكانت هناك ٥ شركات للقطاع الخاص تخدم المدينة.
في خطة الحكومة ونظرتها الواقعية لتلبية حاجة مدينة دمشق تم شراء ١٠٠ باص لحل مشكلة النقل الداخلي ودعم مرفق النقل الجماعي، من جهتها قامت الشركة بتشكيل فريق عمل فني من مهندسين وفنيين من مختلف الاختصاصات حيث تم إحصاء عدد الباصات المتوقفة عن العمل والتي خرجت من الخدمة خلال سنوات الأزمة لاسيما وأن مكان وجود هذه الباصات يقع في مناطق ساخنة : رحبة عدرا – القابون – سبينة- الزبلطاني وبقي مركز إدارة وصيانة ومرآب باب مصلى.
النصف متوقف
بلغ عدد الآليات التي تعرضت للدمار والخراب حوالي ١٨٠ باصا و بدأ فريق العمل الفني بعملية الإصلاح منذ الشهر الثالث من العام ٢٠١٥ وحتى تاريخه استطعنا تجهيز أكثر من ٩٠ باصا للعمل على شبكة الخطوط حيث تمت دراسة واقع المدنية بالتنسيق مع لجنة نقل الشركات في مدينة دمشق وريفها وتوصلنا إلى تخديم أكثر من ٢٥ خطاً ضمن المدينة وريفها القريب والآمن وبعد وصول الـ100 باص أصبح يعمل على خطوط النقل الجماعية ١٩٠ باصا إضافة إلى أنه تجري صيانة دورية يومياً لحوالي الـ ٢٠ باصا
ويؤكد حداد أن العمل مستمر لصيانة وإصلاح كافة الآليات المتوقفة بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تعانيها الشركة لجهة قلة عدد الفنيين والسائقين حيث أن أغلب الكادر من الفئة العمرية الكبيرة فمنهم من استقال ومنهم من احيل للتقاعد.
الحاجة لـ400 باص
ويوضح مدير عام الشركة أنه وبهذه الإجراءات التي قامت بها تم حل حوالي ٦٠٪ من مشكلة النقل الداخلي وبدراسة واقعية لاحتياجات المدنية من وسائط النقل فإن عدد الآليات المطلوبة تقدر بـ ٤٠٠ باص لكن لحل مشكلة النقل الداخلي لابد من وجود ٦٠٠ باص تعمل فعلياً على شبكة الخطوط وباعتبار أن الشركات الخاصة لديها حوالي ٢٠٠ باص فنحن بحاجة إلى ٤٠٠ باص متوفر منها النصف.
ورداً على سؤالنا عن سبب توقف حوالي ١٠٠ باص عن العمل أجاب حداد بأن هذه الباصات منها ما هو متوقف نتيجة للأعطال ومنها ما هو متوقف لعدم وجود سائقين ومنها ما لا يمكن اصلاحها بين عشية وضحاها وتحتاج لوقت حتى توضع في الخدمة .
وهذه في خطة الشركة التي وضعناها فيما يتعلق بإصلاح الآليات ومنها إصلاح ١٠ باصات شهرياً ،وبالنسبة لنقص السائقين فنحن حالياً بصدد الإعلان عن مسابقة لتعيين عدد من السائقين والفنيين ١٥٠ سائقا و ١٥٠ فنيا وبذلك تتسارع وتيرة الإصلاح والعمل.
ويؤكد مدير شركة النقل الداخلي أنه خلال ستة أشهر ستكون كافة هذه الباصات المتوقفة في الخدمة فعلياً وعن مبلغ الـ ١٢٠ مليون ليرة التي تم رصدها لإصلاح ٢١٠ باصات منذ العام الماضي يوضح أن هذا المبلغ لا يكفي أبداً لإصلاح مثل هذا العدد، ومع استلامي لإدارة الشركة لم يكن من هذا المبلغ سوى ٨٠ مليون ليرة.
وتم شراء قطع غيار لزوم إصلاح الباصات وقد تم رفع دراسة بالكلفة التقديرية لهذه الإصلاحات حيث تجاوز الرقم ضعف ما هو مرصود.
هل نعطيها الصفة؟
من جانب آخر يؤكد القائمون على إدارة الشركة العامة للنقل الداخلي بأن الشركات الخاصة تقدم خدمة فعلية لهذا المرفق الهام والحيوي خاصة عندما كانت الشركة غائبة عن الحضور ولم يكن بمقدورها تخديم الخطوط مع بداية الأزمة وتعرضها للتخريب حيث لعبت هذه الشركات دوراً إيجابياً في تخديم العديد من الخطوط إلى أن عادت الشركة لممارسة دورها.
وعن التعرفة وواقع الخطوط وتوزيعها يؤكد حداد بأن الشركة تتقيد بالأسعار التي يتم وضعها من قبل الجهات المعنية سواء في المحافظة أو المرور، كما تعتبر من أقوى الشركات بعدد الباصات والتواتر المطلوب منها سواء لناحية رفد الخطوط أو الفترة الزمنية اللازمة للعمل.
ويوضح أن التعرفة المنصوص عنها هي واحدة لكافة الشركات بلا استثناء ولا يجوز لأي شركة مخالفتها تحت طائلة المسؤولية ولم يسبق للشركة أن تجاوزت أو خالفت التسعيرة.
ويؤخد بالحسبان عند وضع التسعيرة المسافات الطويلة لبعض الخطوط وعوامل أخرى مثل الوقود – نفقات التشغيل – قطع الغيار – الصيانة إلخ وبتغيير هذه العوامل تتغير التسعيرة.
كما أن موضوع توزيع الخطوط يدرس بشكل اسبوعي من قبل إدارة الشركة فهناك بعض الخطوط تشهد ازدحاماً وكثافة نتيجة قدوم فصل دراسي معين أو حالة طارئة أو تجمع موظفين وعمال وطلبة.. وأخرى بحاجة إلى باصات أكثر يتم لحظها وتخديمها.
وحالياً بعد أن كانت الشركة تخدم فقط خطين أصبحنا نخدم أكثر من ٢٥ خطاً ونسعى إلى أن نصل إلى كل منطقة وحي علماً أن باصات الشركة العامة للنقل الداخلي هي الباصات شبه الوحيدة حالياً التي تحقق الشروط والمعايير اللازمة لباص النقل الجماعي البيئية والفنية والسلامة العامة.
تهرب أم ماذا؟
على مدار أكثر من أسبوع ونحن نحاول لقاء عضو المكتب التنفيذي المختص في المحافظة ليطلعنا على واقع النقل والإجراءات المتخذة لمعالجة المشكلة من جوانبها المتعددة، وفيما اذا كان هناك من معالجات وحلول لكن لم نظفر بذلك.. هل هو تهرب أم ..!
المصدر: عن صحيفة الثورة- هزاع عساف