ثورة أون لاين : العميد الدكتور أمين حطيط
مع دخول الحرب الكونية على سورية شهرها الـ20 بدا واضحا ان مسار العدوان أفلت من زمام مطلقيه،
وبأن حسابتهم خذلتهم وجاءت النتائج مختلفة إلى حد بعيد عما كانت عليه الآمال والاحلام قبل الانطلاق في العدوان.
وفي ظل هذا المشهد يطرح السؤال عن مسار العدوان والموقف الاميركي منه ، ولكن قبل الاجابة لابد أن نتوقف عند المتغيرات الاساسية والاستراتيجية الدولية والاقليمية التي فرضتها الوقائع وهنا نتوقف عند المقارنة التالية :
1)على الصعيد الدولي خسرت الولايات المتحدة السيطرة الاحادية على القرار الدولي عبر مجلس الامن وهو القرار الذي امتكلته منفردة لنيف وعقدين من الزمن حيث كانت تتصدى وبقوة الامر الواقع لقيادة العالم وكانت تتخذ من مجلس الامن مطية لتبرير اي عدوان تريد ، لانها كانت ترى ان لا احد في العالم يجرؤ على الاعتراض بوجهها أو لا احد يملك القدرة على منعها أو مواجهتها.
اما اليوم فقد فقدت اميركا هذ الامكانية وباتت هي ومجموعتها الغربية الصهيونية على يقين بان العالم تغير وان مجلس الامن استعاد توازنه وهي تدرك بلا شك ان كل المنظمات والهيئات الدولية لا تملك صلاحية الالزام والقفز فوق السيادة الوطنية لاي دولة إذ وحده مجلس الامن له ذلك استثناء تحت الفصل السابع.
هذه الخسارة لن يعوضها وجود بان كي مون في موقع الامين العام للامم المتحدة وتصرفه كأنه موظف بسيط في الخارجية الاميركية ، فالخسارة ايضاً شملته هو الاخر لان انحيازه وعداءه للمنطق والموضوعية في مقاربة الاحداث افقده قوته المعنوية وبات العالم يتعامل مع مواقفه باعتباره ناطقاً باسم اميركا وليس باسم الامم المتحدة. لذا فان مواقفه المنحازة وغير المتزنة من الازمة في سورية مذ البدء لم يأبه لها احد تماما كما لم يأبه احد لموقفه مؤخرا من «الطائرة ايوب (طائرة الاستطلاع التي اطلقتها المقاومة في لبنان ) التي اعتبرها سببا لزعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة متجاهلاً الاتتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية جوا والتي تجاوزت الـ20 الف طلعة جوية خلال ستة اعوام وهي لم تشكل برأيه انتهاكا للسيادة أو زعزعة للاستقرار.. لكن ومهما كان من موقف هذا الشخص فان الذي يعنينا هنا ان الامم المتحدة بكل ما فيها لم تعد اداة طيعة مؤثرة بيد اميركا لتنيفذ سياستها العدوانية.
2) على صعيد العمل العسكري الغربي خارج مجلس الامن : خسر الغرب المبادرة لشن الحروب بدون قرار من مجلس الامن حيث لم يعد احد من الدول المنضوية في جبهة العدوان على سورية بالقيادة الاميركية ليجرؤ منفردا أو ضمن منظومة جماعية جبهوية ، ان يشن حربا على سورية ، بما في ذلك تركيا التي هددت وازبدت وارعدت ثم تراجعت بعد أن تأكدت ان اي حرب تشنها لن تبقى محصورة في الزمان والمكان والاطراف المشاركة ، وانها ليست هي بذاتها ولا مع حلفائها الاطلسيين قادرة على تحمل اعباء حرب مفتوحة لا يعلم احد مداها. وعندما تسقط ورقة الحرب من يد تركيا وهي ولاكثر من اعتبار المؤهلة للعلب مثل هذا الدور العدواني وتشكيل قاعدة الانطلاق والتحشد ورأس الحربة في الهجوم على سورية ، عندما تسقط هذه الورقة فان الامر يغني عن بحث خطط حرب ومشاريع تنفذ بأيد أخرى وهنا تكون اميركا امام واقع جديد يختلف عما كانت ألفته في الماضي حين نفذت غزوا للعراق غير آبهة بحق أو بشرعية دولية ، أو باي ردة فعل دفاعية.
3) على صعيد العمل الارهابي المسلح والقتال غير التقليدي في داخل سورية. اجهضت سورية كل الاحلام التي كانت تعول عليها اميركا باسقاط نظامها وموقعها الاستراتتجي عبر مواجهة الاجرام المنظم والارهاب المتفلت من كل قواعد الاخلاق والدين والقانون. وهنا يبدو ان اميركا وبعد ان تيقنت من اقفال المسارين المتقدمين عولت على الحرب من الداخل وفي الداخل وحشدت لهذه الحرب القوى بشكل غير مسبوق في تاريخ الحروب غير التقليدية ويكفي ان نذكر بهذا الحشد الذي بلغ من حيث عدد المسلحين 100 الف ، ومن حيث الدول المنخرطة مباشرة في تصديرهم بلغ 14 دولة (الارهابيون الذين دخلوا إلى سورية هم من 14 جنسية عربية واسلامية) ومن حيث خطوط الدعم والتحشيد فان كل الحدود السورية مع المحيط والتي تبلغ طولاً اجمالياً 2560 كلم تقريبا قد استعملت ، اضافة إلى ذلك فقد خصصت هذه القوى باعلام مذهل في قدراته ومنح الارهابيون 12 فضائية تنطق باسمهم بشكل مباشر ، وترافق ذلك مع شحن طائفي ومذهبي وعقائدي وتلفيق وتزوير أرادوا منه اظهار الحرب على سورية حربًا من اجل الاسلام وان المقتول فيها شهيد يرتقي إلى الجنان ليلاقي حور العين ، وكان في ذلك تضليل ما بعده تضليل ادى إلى اندفاع العميان من البسطاء الذين ضللوا إلى القتال على غير هدى وغير بينه. وبالمختصر حشدت لهذه الحرب ما لو حشد نصفه ضد الدول العظمى لانهارت ولكن وبعد اكثر من سنة ونصف على القتال وممارسة الارهاب والاجرام على كامل الارض السورية انكشف المشهد الميداني عن الصورة التالية :
أ) في عديد المسلحين والارهابيين تراجع العدد إلى ما يقارب ال 65 الفاً اي بانخفاض الثلث تقريبا ، تراجعاً كان بسبب الخسائر التي الحقت بهؤلاء الارهابيين والتي حملت الكثير منهم على ترك السلاح والمغادرة إلى حيث اتوا من الخارج أو العودة إلى بيوتهم في سورية تائبين نادمين.
ب) في مناطق العنف والنار : انحسرت اعمال الارهاب في اكثر من منطقة في سورية حيث طهرت على يد الجيش العربي السوري ، واعيد الامن والاستقرار اليها ، رغم ان بعضها يشهد بين الحين والاخر عملية ارهابية هنا أو اعتداء هناك ، لكنه طبعا لا يقاس بما كان يحصل منذ أشهر حيث كان المسلحون يهاجمون القرى والمدن كالقطعان وفي عديد يتعدى احيانا ال 15 الفاً كما حصل حين مهاجمة دمشق أو حلب. وفي مشهد اجمالي اليوم يمكن ان نقول بانحسار مناطق العنف إلى اقل من نصف ما كان عليه قبل 3 اشهر.
ت) على صعيد الجبهات وخطوط الامداد. نستطيع ان نقول بان هناك تغيرا جذريا على هذا الصعيد حيث ان الاردن بدأ يتحسس الخطر المرتد اليه ان تابع تسهيل عبور المسلحين من اراضيه ، لذا جاء بالقوات الاميركية ليركزها عند حدوده من اجل التملص من الضغط الخليجي عليه والتملص من مهمة المساهمة في دعم الارهاب ضد سورية كما تريد قطر والسعودية ، وفي لبنان كان للتطورات المتسارعة فيه ثم للمتغيرالميداني على الحدود لجهة مسك القوات العربية السورية لمعبر جوسية أثر بالغ في تراجع الدور اللبناني ، وفي تركيا بات الارباك والاضطراب سمة تلازم التصرف التركي إلى الحد الذي يحتم على تركيا اعادة النظر في سلوكها العدواني ضد سورية وهي كما يبدو على عتبة ذلك.اما العراق فقد تأكد انها تحكم قبضتها يوما بعد يوم.
4) على الصعيد التنظيمي والسياسي والعسكري للمسلحين والارهابيين ، فاننا نرى ان الامر بات حقيقة واضحة انه في تآكل مستمر ومتجه نحو فوضى لا تسمح باي قرار، نقول هذا رغم كل ما قيل عن محاولة توحيد سلاح الارهاب في سورية ، ورغم ان بعض الفصائل التي ترفع شعارات وعناوين قتال ومعارضة وهي تدرك حقيقتها بانها من العناصر الفارة من الجيش ، وهي تعلم ان اقامتها لقيادة مشتركة بينها امر يثير السخرية لدى العارفين ، ولهذا رأينا اميركا تصفهم بصفات سلبية شتى وتؤكد بانهم لا يملكون مؤهلات الانتصار.
وبالاجمال ولان الوضع كما ذكرنا فان اميركا تشعر بالاحباط ، واضطرت لان تتخلى عن هدفها الاساس اسقاط النظام واقامة النظام العميل لها ، وانقلبت وبذهنية انتقامية ومن اجل اسرائيل ايضا إلى الهدف الاخر «تدمير سورية» ومنعها من العودة قوية إلى الموقع الاستراتيجي الذي شغلته في المعادلة الاقليمية والدولية ومن اجل ذلك ولان الامر استراتيجي يهم اميركا التي يصنع قرارها مؤسسات فان هذا الهدف بات هو المعول عليه وبصرف النظر عمن سيكون رئيسا لاميركا في العام 201٣لذا كان القرار الاميركي واضحاً لجهة منع توقف القتال ومنع الحل السلمي والاستمرار في التدمير ضمن ضوابط وضعتها مؤخرا وهي حصر النار في الداخل السوري ومنع تمددها إلى المنطقة لان اميركا غير جاهزة هي وحلفاؤها للتعامل مع نار وفتنة شاملة ، لكن حلم اميركا في الحصر والتدمير هو الاخر غير قابل للتنفيذ كما بات معلوماً.
اننا على ثقة بقدرة سورية وشعبها وحلفائها على التعامل مع القرار الاميركي الاجرامي بحكمة وحزم ، ونحن نرى في ما سبق ذكره من تراجع قدرات الارهابيين وتراجع جبهات الامداد ، فرصا كبيرة في اجهاض الهدف الاميركي ، لكن لا بد من القول ايضاً بان كل من يطلق رصاصة في سورية من أولئك الخارجين عن الشرعية والنظام انما يطلقها فقط لتحقيق الاهداف الاميركية وليس له امل أو افق آخر. فنتيجة المواجهة حسمت ، وقضي الامر.