ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
استنفرت ألمانيا بأجهزتها ومؤسساتها وساستها، وانشغلت جميع مرافقها بملاحقة من تشتبه بأنه إرهابي كان يخطط لعمل ما في ألمانيا، وانشغلت معها وسائل الإعلام الأوروبية والغربية، وهي تتابع التفاصيل والحيثيات والمستجدات،
ولم يتردد بعضها في سرد ما يصلح وما لا يصلح للاستنتاج والتفسير وأحياناً لإطلاق الأحكام.
الواقعة ليست مشهداً منفصلاً عن واقع المحاكاة الغربية لكثير من المقاربات التي يجري تقديمها في السياسة والدبلوماسية والإعلام، وصولاً إلى ما أفردته عبر شهور وسنوات من التماهي والنفاق في الآن ذاته الذي يعيب على الآخر أياً يكن موقعه ودوره ووجوده.
فما يحق للأوروبي والغربي عموماً المبالغة به إلى حد التورم وتجيير العالم خلفه، وما تستنفر من أجله ألمانيا وتستجر تعاطف أغلب أوروبا لمواجهته، وتحشد أدواتها ووسائل نفوذها وتقنيات هيمنتها في المنطقة وخارجها من أجل الدفاع عنه تحت مسميات كاذبة ومضللة، تحرّمه على سواها، بل تجرّمه به.
فالإرهابي الذي تلاحقه هو مجرد فرد، وهذا من حق ألمانيا، ولا ننكره عليها، لكن مقابل ذلك لماذا تصرُّ ومعها مثيلاتها من فرنسا إلى بريطانيا وأميركا في إنكار حتى تفكيرنا في مواجهة الإرهاب، بل أكثر من ذلك هي لا تدخر جهداً أو طريقاً أو وسيلة أو أسلوباً للضغط والتهديد إلا وتلجأ إليه من أجل التأثير وتعطيل ملاحقة الإرهابيين، وهم وفق مصادر غربية وبعضها ألماني موجودون في سورية بعشرات الآلاف، وفي بعض التقديرات بمئات الآلاف، الذين قتلوا وخربوا ودمروا واستهدفوا المدنيين والآمنين في بيوتهم وفي شوارعهم وعلى الطرقات وحيث وجد من يرفض إرهابهم ؟
والأدهى.. أنها لم تتردد- كما غيرها من تلك المثيلات- في استخدامهم وتوظيفهم وبذل كل ما يمكن من أجل حمايتهم، والعمل للحيلولة دون طردهم أو اجتثاثهم، بل تقوم الدنيا ولا تقعد حين يُقتل بعضهم، أو عندما يندحرون في منطقة، وتتباكى عليهم أكثر منظماتهم وساستهم وجميع معطيات وجودهم، وفيهم من يُسَخِّر طاقاته وإمكانياته لدعمهم بالمال والسلاح، وتتفرغ أجهزة استخباراتهم للتخطيط والتوجيه والنصح والرعاية، وتحشد في سبيل ذلك الأمم المتحدة، وتشتري وتبيع في ذمم مبعوثيها وأطقم موظفيها ليكونوا على المنوال ذاته.
نسأل ونستصعب الإجابة ليس لصعوبتها، بل لعدم جدواها، ولغياب أي معنى لتردادها أو سماعها، فالفارق في الحالين ليس كبيراً، وليس هناك ما يمكن للغرب أن يبرره إلا عبر لغة أطماعه، وحنينه البغيض لماضيه الاستعماري بعد أن ابتلت السلطة في أوروبا بساسة يفتقدون للحد الأدنى من المصداقية والكفاءة السياسية، ويواجهون تدنياً في مستوى الشعبية لم يصله ساسة على هذا المستوى منذ عقود خلت.
يحق لألمانيا أن تستنفر ما تشاء من أجهزتها، وأن تحشد ما تعتقد أنه يضمن الحيلولة دون تنفيذ أي اعتداءات إرهابية، والجميع متضامنون معها، لكن عليها وعلى أوروبا ألا تنكر على الآخرين حقهم في مواجهة الإرهاب، ولا أن تستكثر على سورية حين تواجه مئات الآلاف من الإرهابيين بأشكال ومستويات مختلفة، خصوصاً أن بعضهم جاء من الأراضي الألمانية نفسها، وبعضهم الآخر كانت تحتضنه الحكومة الألمانية على مدى عقود، وتسهل له الإقامة والرعاية، وتوفر له المناخ للنشاط الإرهابي لاحقاً، بل تدفعه نحوه، كغيرها من الدول الأوروبية.
لانريد من ألمانيا أو غيرها التضامن ولا المساعدة، بل أن يكفوا عن دعم الإرهابيين ومساندة مشغليهم..فالقائمة حول ذلك وبالأدلة والقرائن أكثر من أن تحصى، والبراهين المثبتة على الارتكابات الأوروبية والتواطؤ بين سياسييها والإرهابيين، سواء كان بشكل مباشر أم عبر مشغليهم الإقليميين، لا تغيب عن البال، ولا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، بينما نفاق السياسة الأوروبية وأكاذيب ساستها تبقى المفارقة القائمة التي تفسير غياب التأثير الأوروبي، وإن حضرت تبقَ في إطار التبعية المطلقة لأميركا، أو البوق الناطق بالرغبات الأميركية التي تتحرج من إظهارها، أو تتجنب التورط في مستنقعها، فتكون هذه الطبقة السياسية المستنسخة جزءاً من العربات المدفوعة بالقاطرة الأميركية.
بهذه المقاربة كان الإرهابي في أوروبا يقتضي استنفاراً في الأجهزة والمؤسسات، بينما الإرهابي ذاته، وفي بعض الأحيان ما هو أخطر منه، مجرد معتدل تجيّر المؤسسات الغربية أبواقها وطاقاتها وإمكاناتها للدفاع عنه وحمايته، ويحق لأوروبا أن تلاحقه، وأن تقتله كما فعلت فرنسا مثلاً بستمئة طلقة فقط، على حين تنكر على الآخرين حق الدفاع عن النفس، وعلى الدول حق حماية مواطنيها، بل تجرّمه، ولا تتردد في اعتباره عملاً لا يمكن السكوت عنه – حسب هولاند – ويستدعي العدوان وفق رؤية بريطانيا ومن خلفها وربما أمامها أميركا بالضرورة!!
a.ka667@yahoo.com