ثورة أون لاين – مصطفى المقداد:
تتهم الادارة الأميركية موسكو بارتكاب مخالفات تصل إلى حد الجرائم في تصعيد لا ينبئ بوجود تحالف أو تعاون أو تنسيق من حيث الجوهر،
ما يعكس حقيقة الغدر التي تحكم السياسة الأميركية وترجيح المصالح الاستعمارية على المصالح المتبادلة، وعدم الالتزام بميثاق الامم المتحدة والقوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقيات، فضلاً عن التخلي عن المكانة الخاصة التي تليق بدولة عظمى ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن يفترض أن تلعب دوراً خاصاً لإقرار الأمن والسلام والاستقرار في العالم والتقليل من بؤر التوتر والمواجهات، فالولايات المتحدة التي خرجت منتصرة في العقد الأخير من القرن العشرين على المنظومة الاشتراكية وتفردت برسم السياسة العالمية لأكثر من عقدين فيما يعرف بـ السياسة أحادية القطبية راق لها ذلك الحال وتعتقد أنها مازالت قادرة على الاستمرار في تلك السياسة بعيداً عن الشرعية الدولية وبغض النظر عن العلاقات الدولية والمصالح المتداخلة للقوى العظمى فيما الأمر في الواقع لم يعد كذلك.
لقد تصدرت المسألة السورية سلم الأولويات في العلاقات الدولية على امتداد سنوات العدوان على سورية وأسهم صمودها الاسطوري في ترسيخ أسس جديدة للعلاقات الدولية واستعادة الدور الروسي لفاعليته التي تخلى عنها ذاتياً خلال فترة تفكك الاتحاد السوفييتي وما تلاه من متغيرات وصلت إلى حد حل حلف وارسو ليبقى حلف شمال الاطلسي القوة العسكرية الاستعمارية التي يتم التلويح باستخدامها لقهر الشعوب والسيطرة على ثرواتهم وفرض أشكال سياسية محددة تتبع الادارة الأميركية وتنصاع لمطالبها وأوامرها، أما اليوم فلروسيا موقف آخر ومكانة مختلفة ودور فاعل ومؤثر يتناسب مع مكانتها الدولية ومصالحها كدولة عظمى حددت التعاون والتشاور والمشاركة اسلوباً راقياً وقانونياً لحل المشكلات والأزمات فيما بين الدول وأعلنت عن عقيدة للسياسة الخارجية يتم رسمها في وزارة الخارجية الروسية تستند الى احترام ميثاق هيئة الامم المتحدة والتزام القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل العسكري لفرض تغييرات سياسية في الدول والمجتمعات، وهي تلتزم تلك السياسة المبدئية في بناء علاقاتها مع دول العالم كلها، فكان نصيبها المقاطعة الاقتصادية والمالية وفرض عقوبات مصرفية وتجارية فضلاً عن المؤامرة الاقتصادية الكبرى المتمثلة في تخفيض أسعار النفظ بطريقة دراماتيكية بهدف التقليل من عائدات النفظ الروسية والحد من تنامي القوة الروسية المتصاعدة، فهل ينجح الغرب في تحقيق أهدافه وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، بعد سنوات وجولات متعددة من التعاون والتنسيق في ملفات كبرى أنجزت اتفاقاً تاريخياً مع ايران بشأن ملفها النووي، فيما مازالت المشكلات تعترض المسارين السوري والاوكراني باعتبار موسكو تلتزم في التعامل معهما تلك المبادئ والاسس القانونية والاخلاقية.
حافظت موسكو على التمسك بأعلى درجة من التنسيق مع واشنطن في المسألة السورية وكانت تصر على وصف الاميركيين بالشركاء والحلفاء والاصدقاء بشكل دائم وهي تدرك حقيقة ما تخفيه الادارة الاميركية تجاهها وتجاه العالم كله بما فيه سورية، فالعقلية الاميركية التي ما زالت تعيش حالة رعاة البقر وخلفية التفوق وعقلية السوبرمان لا ترضى الاحتكام الى القانون الدولي وحقوق الشعوب، فتسلك السلوك الاستعماري في التعامل مع القضايا الدولية وتتجاهل الحقائق مستخدمة أسوأ ما أنتج التاريخ من قوى البغي والعدوان المتمثلة في المجموعات الإرهابية الخارجة من الفكر الوهابي الإلغائي والإقصائي وهو يتطابق من حيث الجوهر مع الاسس التي أقام الاميركيون فيها امبراطوريتهم العالمية على جثث اصحاب الارض الاصليين من خلال المجازر الكبرى المرتكبة بحق الهنود الحمر وتحويلهم الى كم مهمل في أرض أجدادهم.
واليوم إذ تتصاعد التصريحات المتناقضة ويوسع الروس من نشر اسلحتهم وما يعلنه الاميركيون عن نيات للخروج عن التزاماتهم ومواثيقهم تمهيداً للقيام بعمل عسكري وعدوان محتمل على سورية فإن موسكو تعلن مواقف قوية لا تحتمل التأويل أو النقاش بأن ذلك الزمن الذي كانت واشنطن تفرض ارادتها العدوانية والاستعمارية قد أصبح من التاريخ الماضي، وبالمقابل ثمة قوى ومعطيات على الارض لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، فعلى الارض حالة غير مسبوقة من الصمود السوري يتمثل في التلاحم بين الشعب والجيش والقائد محمولاً على قوة الحق والشرعية ومدعومة بمواقف الاصدقاء في كل من موسكو وطهران وبكين وغيرها، الامر الذي يعطي صورة واضحة لمستقبل ممسوك بقوة الحق الوطني والتاريخي، وأعتقد أن موسكو تمتلك من عناصر القوة السياسية ما يمكنها من مواجهة الصلف والتهور والغباء الاميركي بحيث تسقط الهيمنة الاميركية بطريقة مخجلة، في الوقت الذي لا تدري الادارة الاميركية عواقب مواقفها، تلك المواقف التي لا تخدم مصالحها نفسها، وربما كان التعصب العامل الوحيد الذي يحكم الادارة الاميركية وهي تعيش تناقضات داخلية سببها الخوف من نتائج الانتخابات الاميركية القريبة، ومن يمسك بالبيت الابيض مطلع العام القادم.