ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تثير استماتة رئيس النظام التركي للإبقاء على موضع قدم في الموصل زوبعة من الأسئلة المتلونة، تشبه من حيث الشكل الإعصار السياسي المرافق لها على جبهات المواجهة، وإن اختلفت في مضمونها مع ما يثار من افتراضات تدفع بالبعض الإقليمي والغربي إلى رسم خريطة أطماعه،
تبعاً لإحداثيات التعويل على موقعه ودوره داخل منظومة دعم الإرهاب، سواء التي كانت قائمة بأدوارها التقليدية أم تلك التي يعاد هيكلة تموضعها وفقاً للإحداثيات السياسية المستجدة.
وإذا كان التوافق والتناغم مع الأميركي الذي يستخدم كل أوراق نفوذه وهيمنته للإبقاء على القدم التركية، فإن مدخلات السياسية المفترضة تلك لا تتلاقى ولا تتقاطع مع مخرجات الميدان، وهي تَذري أحلام وتمنيات المرتزقة وداعميهم خارج سياق المشهد، وإن بقيت داخل منصة المسرح العبثي الذي تتاجر فيه أميركا بأدواتها وتواصل بيعهم الوهم، الذي طالما كان عملة رابحة في الترويج للنسخ المتشابهة من مشاريعها، بالرغم من تعثرها المتكرر وفشلها المستنسخ.
فالنظام التركي الذي يبالغ في اللعب على متناقضات المشهد الدولي يضيف إلى خانة مشاريعه المهزومة شكلاً إضافياً من التدوير للأزمات، وهو يعيد الترويج للبضاعة الأميركية الكاسدة، التي تُراكم من عبثية محاولاته كلما ازدحمت المعضلات على معادلات أطماعه، وارتفع منسوب التصعيد السياسي، حيث يمارس تحت ظل تلك التطورات دوراً أكثر خطورة من كل ما سبقه، حين يضيف هنا ويحذف هناك على أكثر من موضع ومكان بحثاً عن أدوار إضافية تقتضيها المهمة الوظيفية تلك على ضوء نتائج معطيات الميدان الصادمة.
الواضح .. أن ما يتردد على ألسنة الكثير من سياسيي المنطقة وبعض الكتاب الغربيين من صنف الناطقين غير المعتمدين باسم الاستخبارات الغربية عن سايكس بيكو وما تلاها لاحقاً سواء ارتبط بما نتج عنها أم كان نتيجة حتمية لما آلت إليه أوضاع المنطقة آنذاك، وسواء جاءت رفضاً لأي تغييرات للخرائط التي أنتجها أم تبشيراً غير مخفي بفرض إحداثيات خرائط جديدة على مقاس بعض الأطماع التي تستيقظ على وقع التورمات والاستطالات المرضية، وتضع تصوراً لدويلات وأشباه دويلات تتنازع الشكل التراجيدي للواقع القائم في المنطقة.
من الواضح أن الحديث في الحالين يقود إلى الحصيلة ذاتها، سواء المتمسكون بما أنتجته سايكس بيكو أم أولئك الذين يروِّجون لتقسيمات إضافية لا تلتزم بحرفية الوضع الحالي، حيث المتمسكين بها لا يمتلكون الرؤية ولا التصور لمتاهة الاستعجال في التعبير عن السياقات الضيقة داخل حلبة سباق الترويج للأميركي، ولا تتوافر بين أيديهم الأدوات الكافية للحفاظ على تلك التقسيمات، كما أن المروِّجين للخرائط الجديدة يتحدثون عن واقع يستثني ما يجري، ويدخل في سياق البناء على الوهم والتعويل على بعض الطفرات المَرَضية الناتجة عن حرب اعتمدت في أساسها وجوهرها على الإرهاب وتنظيماته لتنفيذ أجنداتها.
لكن ذلك لا يعني فهماً مختلفاً أو وجوداً مغايراً لتلك الحقائق التي تتجسد في واقع الأمر بسياقات تنتج عنها مؤشرات تعمل عليها الدول الغربية لتكون بيادقها البديلة لما فشلت به، حيث الغرب عموماً لا يتردد في سوق العديد من الأمثلة على لعبة تحريك الخرائط لتكون على مقاس أطماعه، وتحت هذا العنوان يروِّج لمقولة أن الخرائط القديمة لم تعد بمقدورها أن تستجيب لأطماعه المستجدة، ولا أن تواكب الاستيقاظ المتأخر لها، والحقيقة أن الفشل في تحقيق مشاريعه وأطماعه وفق الخرائط القائمة هو السبب أو بمعنى آخر العجز عن تحويل ما هو قائم إلى بيادق داخل المشروع الغربي أدى إلى البحث عن جوائز ترضية بإعادة اقتسام المنطقة بإحداثيات متناحرة تضمن له الاستمرار باستغلال المنطقة وشعوبها.
هذا ما استدعى إعادة تقييم الأدوار الوظيفية للأدوات الأميركية في المنطقة، وقد وقع الخيار على التركي ليكون المفوض باسم الأميركي والغربي في إعادة هندسة داعش جغرافياً، وأن يكون المؤتمن على خطوط توزيعه في إحداثيات المنطقة وأحيانا خارجها، باعتباره الطرف الأكثر صلة بداعش وهو الذي يقيم له معسكرات التدريب داخل أراضيه ويتقاسم معه الإرهابيين، ويتولى توزيعهم على التنظيمات الإرهابية وفق درجة ولائهم له وللأميركي.
التدحرج التركي نحو إعادة هندسة داعش مكانياً قد يفسر – ولو أولياً – الاستماتة التركية للمشاركة في معركة الموصل، وقد يشرح أيضاً التصعيد والعدوان الذي يمارسه النظام التركي على الأراضي السورية كورقة تثير غباراً إضافياً، وقد حصل على الضوء الأخضر الذي طالما اعتبره الشرط اللازم والحتمي لأي حماقة برية بقواته، رغم إدراكه المسبق بأنه عبث على حافة الهاوية، ورقص على صفيح منزلق، قابل للاصطدام الأخطر، بحيث تتحول المنطقة إلى كرة لهب سيكون من الصعب وقف تدحرجها.
a.ka667@yahoo.com