ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تستطع الطاولات المفرودة في العاصمة الكازاخية على اتساعها وكثرتها أن تحيط بكل تفاصيل المشهد وتداعيات الهوامش العالقة بين جزئياتها المتدحرجة من أقصى درجات التشاؤم إلى أبعد شواهد التفاؤل،
وإن بدت الأخيرة على قلتها كافية للإبقاء على خيوط التواصل من دون أن يتجاهل أحد أن ترهل بعضها قد يكون معضلة قابلة لتفخيخ المشهد برمته في أي لحظة.
ولم تستطع الدبلوماسية الفائقة والجهد الطويل والجلسات الماراثونية المنفصلة أو المتصلة في ضبط الإيقاع الذي يكفل عدم خروج ممثلي التنظيمات الإرهابية عن أهداف الاجتماع وغاياته ومقاصده الأساسية، ولا في الحيلولة دون الخروج على أبسط قواعد العمل الدبلوماسي وأصول التعاطي مع مقتضيات الاجتماع سياسياً، وصولاً إلى المصطلحات والألفاظ، حين حاولوا جرّ الاجتماع إلى منبر للدفاع عن الإرهاب وتنظيماته، وتحديداً جبهة النصرة التي هي خارج أي اتفاق، كما أنها منظمة إرهابية حتى عند الأمم المتحدة نفسها.
ورغم أن هذا السلوك لم يكن مفاجئاً ولا مستبعداً، إلا أنه يطرح أسئلة بات من غير الممكن تجاهلها، ولا القفز فوقها أو التحايل عليها، خصوصاً أننا أمام حالة عبثية تفرض نفسها، ليس فقط في المحاولات الواضحة لإجهاض الاجتماع عبر الاستفزازات المتعمدة، بل في الممارسات المدروسة والمعتمدة من قبل المشغلين من أجل إيصال الجهد الدولي غير العادي إلى حيث وصلت جهود سبقته، وهو ما يمكن قراءته في سياق الاستنتاجات والانطباعات الأولى القادمة من داخل القاعة ومن خارجها، والتي تتطابق إلى حد بعيد مع الأجواء المحيطة بالطاولات التي تنعقد على عجل في القاعات والأروقة الجانبية.
وإذا كان غياب الأجندة أحد المآخذ الواضحة على التجربة، والثغرة التي يحاول ان ينفذ من خلالها ممثلو التنظيمات الإرهابية من أجل تفشيل الاجتماع، فإن الأخطر من ذلك أن تبقى في دائرة التجاذب، ما أفسح في المجال أمام تأويلات وتفسيرات تحاول التشويش على المسار الدبلوماسي، وصولاً إلى خلق عوامل ضاغطة باتجاه الوقت المتاح للمداولات والتي بدت أنها مادة إضافية للابتزاز والمساومة على قاعدة السعي المحموم من أجل العودة إلى المربع الأول، والذي بدا ملازماً لكل ما قام به أولئك، بما فيها التهديد بالعودة إلى ممارسة احترافيتهم في الإرهاب..!!
من سخرية القدر أن يحجز ممثلو الإرهاب مقاعد على طاولة أخذت كل هذا الجهد السياسي والدبلوماسي العالمي، وأن يكون مصيرها رهناً بتقولات وابتزازات ومواقف وسلوكيات تعبّر عنهم وتنضح بما يجول في داخلهم، والأدهى أن يكون مشغلو الإرهاب ضامنين للإرهابيين، وممثلين حصريين يدفعون الوضع نحو حافة الإفلاس، فيما الجهد يعود إلى الدوران في الحلقة المفرغة على قاعدة التعامل ذاتها مع فارق وحيد أنها الضرورة القسرية التي أجبرت الإرهابيين ومشغليهم على الدخول في اختبار يدركون فشلهم في ملامسة عتبته.
الواضح أن السياقات والأهداف المتباعدة أو المختلفة تحاكي في الحد الأدنى حالة إضافية من عبث يحاول أن يفكك الخيوط المتشابكة، وأن يعيد ترتيب الأولويات، وربما في طموح يملك مشروعيته أن يضع المحددات الفعلية للمسار السياسي وصولاً إلى القاعدة الفقهية في الدبلوماسية والسياسة على حد سواء، وهي الوصول إلى تفنيد الكثير من الادعاءات والأكاذيب التي لا يزال رعاة الإرهاب يسوقونها في بازار الافتراء والمراوغة والنفاق السياسي.
لكن بكل تأكيد ليس بالإمكان تجاهل حقيقة أن العربة لا يمكن لها أن تكون أمام الحصان، لأنها تقود في الاتجاه الخاطئ ونستطيع أن نجزم أن الجهد الروسي الكبير والعمل المتواصل لا يريد أن يعيد الاجترار في الموقع ذاته ولا في المكان نفسه، وليس هناك من مصلحة لأحد أن يختار الاتجاه الخاطئ مرة أخرى.
إناء الإرهاب لم يعد ينضح بما فيه فحسب، بل لا يزال يفيض على طاولات النقاش، وقاعات العاصمة الكازاخية شاهد إثبات، والإعلام الذي توافد إلى الرصد والمتابعة بمقدوره أن يستفيض في الشرح والتفسير، والأهم في توثيق ما يجري ليكون قرينة تضاف إلى كواليس السياسة وأروقة الردهات الممتدة بأن الإرهاب لا يمكن تعويمه، وأن الحل مع الإرهابيين لم يتغير أو على الأقل لم تتبدل أولوياته ولا أجنداته، حالهم في ذلك حال رعاتهم ومشغليهم الذين لا يمكن أن يكونوا ضامنين وإن جاؤوا بهذه الصفة، فهي لبعض الوقت ولكن من المستحيل أن تكون طوال الوقت..!!
a.ka667@yahoo.com