ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يكثر اللغط والتأويل في مسائل ليس من صلاحية أحد البت فيها، وتنبت على هوامشها استطالات وأحياناً تهيؤات، وكانت عرضة لاختبارات صعبة وقاسية.. مرت في الماضي وتكفلت تضحيات السوريين بتجاوزها، وما يشاع عن مسودة أو مشروع دستور أو أفكار حول الدستور، يدخل ببعض جوانبه..
إن لم يكن كله.. تحت تلك المظلة، حيث يترك مساحات كبرى لتجيير الحدث بصيغة تكون أقرب إلى الاستثمار السياسي في بازار المتاجرة بالكثير من القضايا، ومحاولة محفوفة بالتشظي لجهة التوظيف هنا أو هناك بأبعاد تتجاوز المنحى السياسي القائم.
لا شك أن عدم التعليق وترك الموضوع سبياً بيد الإعلام وسواه من أدوات التشويش والتعبير الفظ، يفتح الباب على مصراعيه أمام تلك التأويلات، لكنه في المشهد المقابل يأتي في سياق المقاربة الأكثر وضوحاً، وربما قرباً للحقيقة ومكوناتها أنه مجرد تقولات سياسية لا مصداقية لها ولا موثوقية، حيث الرفض ليس للمضمون فقط، بل للفكرة ذاتها أيضاً، وكل ما جاء تحت أجندات طرحها أصلاً.
قد لا يكون هناك استبعاد للأفكار على أنها مداولات في الشكل تستهدف الوصول إلى نقاط مشتركة حول قضايا شائكة، لكنها على المقلب الآخر شكلت صدمة مزدوجة باتجاهين متناقضين، الأول: ليس من حق أي طرف مهما يكن قربه وبعده أن يطرح حتى أفكاراً بهذا الخصوص، بل الأكثر من ذلك ليس هناك من لديه استعداد للنقاش حول أفكار من خارج النص المسموح به مهما تكن التوليفة أو التبرير، وتمثل في الجوهر قضية تموضع سياسي يصعب -إن لم يكن يستحيل- القفز فوق مخرجاتها القانونية التي تبقى عرضة لكثير من التبجح، ولا تستطيع أن تكون خارج الاصطياد.
والثاني: يتعلق بالشوائب الإضافية التي تعلق على جوانب المشهد باعتباره منصة للقصف المبكر على واحدة من أكثر القضايا خصوصية، وتعتبر بالبعد القانوني والسيادي خطوطاً من غير المسموح تخطيها، أو سقوفاً ليس بالإمكان تجاوزها مهما تكن المبررات، وهي في نهاية المطاف خلاصة توافق بين مكونات المجتمع قبل أي تفكير من القوى الأخرى مهما تكن وضعيتها الجيوسياسية أو الاستراتيجية أو تموضعها التحالفي على نطاق الخارطة السياسية للمنطقة والعالم.
من هذه النقطة.. يبدو بديهياً أن أي طرح لا يعدو كونه إضافة إشكالية كان من المستحسن تجنبها أو على الأقل عدم الخوض فيها، فكل المقاربات الممكنة ستكون منبراً لمزيد من الخلاف وليس التوافق، بدليل أن ردود الفعل حتى اللحظة رغم حالة الترقب والتحفظ تمثل رفضاً قطعياً، بل تشكل في بعض جوانبها بازاراً إضافيا للمزايدة السياسية التي نعتقد أنه كان من الأجدى عدم الخوض فيها حتى لو كانت النيات حسنة، أو كانت تهدف إلى لعب دور الميسّر في النقاشات العامة أو الخاصة، ولا سيما حين ترتبط بقضية لا يحق الجدل حولها أو مناقشتها، فهي ترتبط بالشخصية الوطنية وبالهوية التي تمثل جوهر العلاقة المجتمعية.
وهذا يقتضي في الحد الأدنى النظر إلى المسألة أبعد من حدود الشكل، وإن كان سبباً كافياً.. مانعاً وجامعاً لرفض النقاش، حيث يبقى الرهان قائماً على المفاهيم والتفاعلات التي تدفع إلى الجزم بأن الرفض ليس حالة مؤقتة أو طريقة للتعبير عن المساس بالمكون المجتمعي وبهوية الانتماء، بل حالة مبدئية لا يمكن النظر إليها بحسن النية رغم اليقين بذلك، والعقد الاجتماعي بتفرعاته ونماذجه يحكم في النهاية.
الفارق بين النيات الطيبة والطروحات المريبة يتقلص إلى حد الخلط، حاله في ذلك حال الفارق بين تخطي السقوف، وبين قلب المعادلات، حيث يقف على الدوام الهاجس الوطني حداً فاصلاً، ومنطلقاً عفوياً يحدد الهوامش المتبقية التي تستظل بها محددات أساسية، وتضع في الوقت ذاته شروطاً تعبر عن الضرورة الوطنية التي يجب أن تبقى من دون أي شك خارج أسوار المجادلة أو النقاش، وبعيدة عن الاصطياد ومحاولات التسييس، وأن تظل من دون مساس تحت أي عنوان، والأهم أنها لا تخضع لدائرة الاحتمالات ولا مظلة التفسيرات.
قد نختلف أو نتفق، وربما نجتمع او نفترق، وتتباين وجهات النظر أو حتى تتناقض، وهو من طبيعة الأشياء، لكن ما للسوريين للسوريين يبقى، وما لغيرهم أصدقاء أو حلفاء أو كانوا بتوصيفات وتسميات أخرى سيبقى أيضاً، والفرق بيّنٌ وواضح.. صريح وشفاف، فلا خلط ممكن.. ولا تجيير متاح، ولا مهادنة، فتضحيات السوريين كانت ثابتاً وجودياً في حياتهم يحمله تاريخهم.. وحضارتهم.. ومساهماتهم وإضافاتهم النوعية، وجميعها عناوين صمد من أجلها السوريون، وهم على استعداد حتى إشعار آخر، لم يتعبوا ولن يتعبوا، لم يستصعبوا الطريق ولن يستصعبوه، وقرارهم المستقل الذي كان عنواناً دائماً لن تعدّله طروحات من هنا أو مبادرات من هناك، ولن تغيّر فيه سواء جاءت تحت لافتة نيات طيبة أو وفق مشيئة محظورات مريبة..!!
a.ka667@yahoo.com