ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تتواصل فصول الملهاة الأميركية وتظهر تباعاً ملامح النسخة الصادمة بتحولاتها من الصورة الأميركية المتعالية والفوقية لفرض منطقها على العلاقات الدولية بالقوة الفظة، وتتفنن إدارة الرئيس ترامب في مشاهد خلط الأوراق،
بما فيها تلك الناتجة عن طرح أفكار أو مشاريع أفكار وإعادة سحبها من التداول أو إعادة تصويبها وشرحها بعد أن تكون قد أخذت نصيبها الكامل من التداعيات السياسية وغير السياسية، في وقت لا تبدو الخيارات المباشرة التي أقدم عليها أفضل حالاً من تلك التي تم سحبها.
الواضح أن ما ظهر حتى الآن ليس أكثر من عينات قابلة للتعديل والتغيير على ضوء ما يظهر من تداعيات متسارعة تدفع الجميع – حلفاء وخصوماً – إلى المربع ذاته، حيث يصعب على أي منهم أن يحدد بدقة مساراً واضحاً لسياق السياسة التي ينوي ترامب خطَّها فعلياً، فما ظهر حتى الآن لا يصلح لأن يكون عناوين، وفي الوقت ذاته هو أكبر بكثير من مجرد تفاصيل، وبينهما تضيع الاستنتاجات وتتوه القناعات وسط تموّج في العلاقات الدولية في مخاض قد يكون الأصعب والأكثر خطورة في العصر الحديث.
الأوضح أن الهلع الذي انتاب حلفاء أميركا التقليديين والتابعين بحكم الدور الوظيفي كان له ما يبرره، وإن بدأ يفقد زخم ما اكتسبه من مشروعية في البداية بحكم الصيغ المطاطة لطروحات الرئيس ترامب، والتي تبدو حمالة أوجه في التعاطي مع هذه العلاقات التي يتظاهر أو يدّعي بأنها من الماضي ثم يعود إلى حيث يتخندق الأميركي في العادة خلف شعاراته ذاتها، وجاء قرار منع الهجرة والدول المقصودة به انتقائياً ومنحازاً إلى درجة أفقدته كل مسوغاته، ويدفع إلى الجزم بأن أميركا التي قدمها ترامب ليست تلك التي تسعى إلى أمركة اهتماماتها، بقدر ما هي تطمح إلى أمركة العالم بالطريقة الترامبية، ليكون على مزاج أطماعها ويتوافق مع متطلباتها، وكل ما عداه لا يخضع لقانون ولا إلى منطق ويفتقد إلى أي محاكمة عقلية أو محاججة منطقية، بل يحاجج في قاع السطوة الأميركية ذاتها.
بهذه المعايير لم يكتفِ ترامب بخلط الأوراق بقدر ما كان ينتقي بعضها أو كلها وفق أهواء وسياسات لم تتغير فيها معطيات السياق الذي أنتجه الأميركي على مدى عقود هيمنته، وترتع في الموقع ذاته حتى لو تبدلت الطريقة أو خرجت عن النمطية المعتادة في مقاربة بعض المسائل والقضايا، وهي في نهاية المطاف تحاكي الأطماع الاميركية ذاتها ولكن بطريقة منفّرة ووجاهية غير قابلة حتى للنقاش، وسط تهويل متعمد من تسونامي ما بعد الطرح، حيث يعود إلى التخندق في المربع الأول.
ربما كان الحديث عن أن ترامب يحتاج إلى الكثير حتى يتعلم السياسة محقاً في بعض جوانبه، بل هو بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك ليس أولها تكرار المواقف المحرجة في مؤتمراته الصحفية بدءاً من رفض الإجابة على بعض الصحفيين.. وصولاً إلى طردهم، بل في مقاربته لمكافحة الإرهاب المتبدلة وفق سياق المزاج الشخصي، حيث يبدو متسرعاً في إطلاق الكثير من المواقف التي لا يعرف عواقبها، ولا يجيد تفاصيلها، أو لا يلمُّ بالكثير من تداعياتها بما فيها حديثه عن مناطق آمنة أثارت شهية مشغلي الإرهاب، بل تصفيقهم، وهو ما يتقاطع مع الكثير من المنعكسات المباشرة لما طرحه.
الواضح أنَّ الفارق بين ترامب وما سبقه يبدو شاسعاً في الشكل، لكنه في نهاية المطاف يعيد التموضع لكي يستنسخ السياق بطريقة أكثر تشوهاً وخطراً من سابقاتها، حيث إن إدارة أوباما التي تفننت في إدارة الخراب بالمنطقة والعالم وأوكلت لبعض أدواتها الإقليمية إدارة حروبها العبثية.. تقابلها إدارة ترامب بتعميم نموذج الفوضى في العلاقات الدولية وإدارتها بطريقتها وبالشراكة المباشرة، فما يتوافق مع أطماعها وتوجهاتها في خدمة الأمركة تجده صالحاً، وما يتعارض تعتبره من الكبائر، بحيث تتحول أميركا من سياسة الدولة العظمى إلى سياسة الشركة الاحتكارية الصادمة في تورمات أطماعها.
المحسوم أننا أمام متواليات هندسية وليس عددية من الممارسات الأميركية غير المسبوقة، وهي لا تكتفي بخلط الأوراق، بل تخلط المشهد الدولي ذاته، وتصدّع مكوناته الأساسية وركائزه، بحيث يبدو من الهشاشة إلى الدرجة التي تفتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة لا تنتهي من التداعيات التي تؤسس لعوامل الانفجار المتحركة على المستوى العالمي، وإن كانت أغلبها قد تجاوزت في بعض مظاهرها مشهد الحروب الكلامية ووصلت مرحلة التحذير مما هو قادم، ليس من دوافع غامضة ومتناقضة تحكم سياسة البيت الأبيض، بل من انزلاقات خطيرة تلوح في الأفق..!!
a.ka667@yahoo.com