ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تعد طبول الحرب المسموعة أصواتها من خلف التصريحات المتشنجة للإدارة الأميركية الجديدة وحدها السائدة في سوق السياسة والمسيطرة على مساحة الإعلام، بل راحت تنافسها في المنحى ذاته، لائحة طويلة من «المبشرين» الداخليين والخارجيين الذين تبرعوا عن طيب خاطر أو عن تمنيات ذاتية بالترويج للحروب القادمة،
وآخرها أنّ على أميركا أن تتحضر لخوض حربين كبيرتين كان نصيب المنطقة واحدة منها، والأخرى ذهبت باتجاه بحر الصين.
هذا «التبشير» في جوهره لا ينم عن رؤى شخصية بقدر ما يعكس توجهاً واضحاً لسياق السياسة الأميركية القادمة، التي يعلو فيها صوت التهديد ويتقدم على سواه، بل لا يُسمع من الجانب الأميركي غيره، حين يدلي بدلوه في القضايا المشتعلة على امتداد العالم، فباتت عصا القوة الأميركية الغليظة هي لغة التلويح الوحيدة التي يجيدها أركان الإدارة، حيث تتسارع خطا التعريف بمحددات وملامح توجهها العامة على وقع تلك الحروب.
وبالمقارنة مع الحديث الانتخابي يبدو الكثير من وعود تلك الحقبة متواضعاً أمام السيل الجارف من الممارسات العملية التي تسابق الزمن لافتعال أكبر قدر من التصعيد والمعارك الصدامية المسبقة والتي لا تكتفي بالتسرع، بل تطفح بالعجرفة لحد التخمة والفائض منها يتم توظيفه لدى دول وظيفية وجدت نفسها في الخندق ذاته الذي يتربع فيه الأميركي، بحكم أن ما اتخذه كان ضمن القرار السيادي كما وصفته مشيخات الخليج ودافعت عنه، وهي التي لم تعرف معنى القرار السيادي يوماً، فكان أن أبدعت في المحاضرة عن السيادة ..!!!.
المنحى التصعيدي في الخطاب الأميركي يتخذ اتجاهات أكثر خطورة مما سبق، على وقع تغيير دراماتيكي في أولويات الإدارة الأميركية، وفي مقدمتها أن خرائط التحالفات القائمة لن تُحال جميعها للتقاعد المبكر كما وعد ترامب انتخابياً، بل ثمة قائمة طويلة من الانتقائية التي تشكل فيها وجهة النظر الإسرائيلية حجر الزاوية، وتستطيع أن تحجب هنا وتمنح هناك وفق قواعد عمل برزت إلى العلن في قضية حظر تأشيرات الدخول والدول المنتقاة، مضافاً إليها سلسلة طويلة من التهويمات التي تضعها إسرائيل كمنصة تحدد أطراً وتصورات عن سياسة ترامب القادمة ليس في المنطقة فقط، بل على المستوى العالمي أيضاً.
الأخطر ما يتم تداوله عن خطط جاهزة ليست وليدة أفكار الطاقم الإداري والتنفيذي، ولا هي من اختراع المستشارين السياسيين والعسكريين الذين يفتقدون في أغلبيتهم الحد الأدنى من الخبرة المطلوبة، بل جاءت بالظرف المختوم، وكانت من إنتاج «كارتلات» احتكارية أخرى أوصلت ترامب وهي التي تحدد خطوط السياسة كما ترسم ملامح حروب أميركا القادمة التي نسج خيوطها الجيل الثاني من المحافظين الجدد..!!
الكفة الأميركية تتأرجح بين حروب داخلية يفتعلها ترامب على مرأى من الأميركيين جميعاً، وبين حروب خارجية يُروّج لها مبشروه الجدد، وإذا كان المعيار الداخلي يميل نحو التهدئة رغم حالة الغضب، وحالت بعض المعطيات دون وصولها إلى حالة الصدام أو القطيعة، فإنها على المستوى الخارجي تبدو منفلتة من عقالها، خصوصاً في ظل وجود من لا يكتفي بالترويج لتلك الحروب، بل يعمل جاهداً على تحشيد الأصوات من أجل التحريض تحت عناوين لا تخدم في النهاية إلا أصحاب الرؤوس الحامية في الداخل، ومروجي الحروب في الخارج ممثلين بإسرائيل ومشيخات الخليج التي تتوج تحالفها وتعتاش على الحروب وتجد في استمراريتها الطريقة الوحيدة للإبقاء على توازنها والحد من التحديات المصيرية والوجودية التي تواجهها، والأهم الإبقاء على دورها الوظيفي الذي يترنح .
وعندما تتقاطع المعطيات على المشهد ذاته فعلى العالم أن يتهيأ لفصل أميركي غير مسبوق، بل على مشهد عالمي هو الأكثر سخونة وصعوبة في تاريخه الحديث، وهو الأكثر ضراوة، خصوصاً في مناخ تبدو فيه شهية دعاة الحروب والصراعات مفتوحة على مصراعيها لتصفية حسابات وإنشاء معادلات تحاول أن تعيد الصورة الأميركية إلى أصولها الأولى، وأن ترسم خطاً بيانياً متصاعداً من الحدة والتناقض في صياغة مواجهات مفتوحة تؤسس لحروب أميركا المقبلة، أو على الأقل تمهد لمحاولة أميركا الأخيرة في إبراز عضلات القوة المتوحشة بوجه يعيد إلى الأذهان صور الغطرسة والتجبر، والأخطر يعيد نموذج العنصرية بنسختها الأميركية التي تتفوق فيها على نسخ فاشية بائدة ..!!
a.ka667@yahoo.com