ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
جنيف في خطر.. هذا صحيح، بل كل اللقاءات والجهود الدولية تبقى محفوفة بالمخاطر، لكن ليس من زاوية الرؤية القاصرة التي يجترّ فيها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حديثه، ويركز اهتمامه، وإنما من زوايا بات العالم يعرفها ويدركها، وترتبط بالإرهابيين ومشغليهم ولا تنتهي عند حماتهم ومعادلات التصعيد والسعار المرتفعة للمبازرة بيعاً وشراء.
فقد اعتدنا من المبعوث الأممي أن يستبق أي جولة بانتقاء منطقة جغرافية للتركيز عليها دون سواها، مصراً على إشهار حَوَلِه، وهو يظهر ما يراه بعين واحدة على أنه كل ما يمكن أن يراه الآخرون، وأن يأخذ دوراً من خارج النص المكلف به، يعيد طرح أسئلة مؤجلة، طالما شكلت الحلقة المفقودة في تقييم تجربة الجهود الدولية، وأدوار اللاعبين والكومبارس على حد سواء، في وقت كانت التجارب المتكررة تفترض أن يكون دي ميستورا أول من تعلم من أخطاء الماضي، وبات أكثر مقدرة على الرؤية المتوازنة لو توافرت الإرادة من جهة، والرغبة في ذلك من جهة ثانية، حيث الفارق بين حقبتين بالنسبة له لا يزال مجرداً من أي دلالة أو مؤشر..!!
فالمبعوث الأممي يدرك تماماً أن من يخرق اتفاق وقف الأعمال القتالية ليس سوى التنظيمات الإرهابية، وله في الغوطة التي انتقاها كمحطة يصوب من خلالها، وغيرها عشرات الأمثلة اليومية، وتقارير الدول الضامنة دليل بإمكانه الاطلاع على بعض ما جاء فيها، لكي يعيد تقييم ما نطق به، أو على الأقل يرى ما يدّعي أنه لم يره، أو لمعرفة ما يزعم أنه لا يعرفه.
الأخطر أن كل التجارب السابقة تقود إلى المكان ذاته، وأن الجهد الدولي لم يصل إلى حيث وصل بفضل السيد دي ميستورا، بل كثير منه تعرقل وفشل بسبب وجوده، وبسبب طريقة مقاربته للأشياء، وخضوعه لإملاءات الدول المشغلة والراعية للإرهابيين، والأدهى بسبب رؤيته القاصرة وحَوَلِه الذي يقلب الحقائق رأساً على عقب، وبالتالي فإن بقاءه وسيطاً بات أحجية، وواحداً من أكثر العوامل المحبطة التي تواجه الجهد الدولي، ونستطيع أن نجزم أن الآستنة لم يكن ليخرج حتى ببيان الدول الضامنة لو كان السيد دي ميستورا طرفاً فيه، أو لزم في حينه أن يوقع عليه..!!
هذا ليس اتهاماً، بل توصيف ينطلق من وقائع كانت روسيا أول من أشار إليها، حين وجهت انتقادات إلى تباطؤ المبعوث الأممي تارة، وإلى عدم جديته تارة أخرى، وإلى انحيازه في ثالثة وهناك رابعة وخامسة، وكان الأخطر دائماً عندما يخرج عن نص مهمته ليقوم بما لا يتسق مع ذلك النص، ولا يتفق مع الدور الأممي، ولا مع وجوده كوسيط لتسهيل مهمة الحوار لا تعقيدها، وخلق المسوغات والذرائع لتعطيلها.
الحال ذاته اليوم، وهو ما يستدعي النظر إلى المسألة أبعد من حدود ما تمثله من خطر محدق بالجولة القادمة، وبصورة الأمم المتحدة ودورها وطريقة اختيار المبعوثين والمهمات الوظيفية التي تضاف لاحقاً من قبل الدول النافذة في المنظمة الدولية، والتي تريد تجيير المنظمة ومبعوثيها ليكون على مقاس احتياجاتهم، وبما يحقق أجنداتهم الخاصة وليس أجندات الحوار، ما يستدعي إعادة نظر عاجلة بذلك الدور..
وهذا ما نعتقد أنه منوط بالأمين العام للأمم المتحدة الجديد الذي تقتضي مهمته ودوره وبحكم تسلمه لمهامه رسمياً أن يعيد النظر في الكثير من الاستطالات المرضية التي برزت في عمل المنظمة الدولية وفي مقدمتها المبعوثون المنتقون وفق الأجندات الغربية وليس كما تقتضيه مهمة الأمم المتحدة مع تصويب إضافي بأن مكافحة الإرهاب تبقى أولوية، بل وأساس أي حل، خصوصاً أن الظروف التي أنتجتها المعطيات الميدانية والجهود المبذولة، تملي مثل هذا التحرك العاجل، حفاظاً على ما تبقى من مصداقية للأمم المتحدة، ومنعاً لتآكل البقية الباقية أو النتف المتناثرة من الثقة بالمنظمة وعملها ودورها.
اللائحة تطول في الحديث عن الرؤية الأحادية الجانب والمنحازة للتنظيمات الإرهابية ومشغليها، والتي تبرز فيها الانتقائية لمنطقة دون سواها، حيث تحتضن إرهابيين يتودد لهم المبعوث الأممي أو مطلوب منه التودد، ويقدم أوراق اعتماده لمشغليهم على وجه التحديد، ويمتلك تجربة في التعاطي معهم والانحياز إلى جانبهم، وحتى تسويق مواقفهم وتبني ذرائعهم ومسوغاتهم، ونستطيع أن نجزم أنه آن الأوان كي يوضع حدٌَ لهذا التورم في الاستطالات المرضية التي اسمها حتى اللحظة مبعوث أممي، فالجهد الدولي لا يمكن أن يستقيم ما دام هناك من يعرج وعلى الملأ..!!.
a.ka667@yahoo.com