ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يتأخر النظام التركي في الاستثمار إلى الحد الأقصى في الاتصال الذي جرى بين رئيسه والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت كانت قد سبقته متغيرات واضحة على اللهجة المستخدمة في توصيف المعطيات السياسية إقليمياً،
بحيث باتت المقاربة التركية أقرب إلى ساعي بريد للرسائل الأميركية المتواترة، وربما مظهر سياسي للنيات المبيتة، عندما أفسحت في المجال أمام بروز بعضها على الأقل إلى العلن مباشرة، بما فيها عودة الحديث عما سماه النظام التركي مناطق آمنة.
استعراض العضلات التركي بدا من حينه مواكباً لعملية الاستثمار والدعاية السياسية، وإن كان محمولاً على نيات الغدر التي لن تتردد في توجيه الطعنة من جديد، وبدت مجمل المعطيات مجردة من أي ارتباط بما سبقها، وكأن تركيا التي أمست بعد الاتصال الهاتفي، غير تركيا التي عرفها الإقليم والعالم على مدى السنوات الماضية، وأن ما كان يربط تركيا وما يقيّد يديها قد عفا عنه الزمن، وباتت اليوم على عتبة دور وظيفي استلهمت إحداثياته الجديدة أو المعدّلة من المكالمة الهاتفية، وبنت عليها ما يمكن أن يكون عليه في ظل الدعم الأميركي.
لن ندخل في تفاصيل البيانات المقتضبة، التي حاولت المداورة على ما جرى بين أردوغان وترامب من نقاشات بدت للوهلة الأولى مقتصرة على العناصر البروتوكولية، لتفصح لاحقاً الخطوات التركية عن مد أميركي أخذته حكومة أردوغان، وغطاء سياسي يتجاوز المعطى التقليدي المعتاد، إلى حد أن التحالف المؤجل أو المرحل عاد أدراجه من جديد إلى دائرة الضوء، وباتت تركيا العنصر الفاعل في سياسة ترامب حيال المنطقة، بعد أن قدّم أردوغان أوراق اعتماده في خدمة المشروع الأميركي بصيغته الجديدة.
الاختلاف في وجهات النظر والهواجس التركية المشتعلة والمتأججة من خروج المعطيات على الأرض عن نطاق استثماراتها ومتاجرتها الواضحة يميناً وشمالاً.. غرباً وشرقاً، تفتح الباب على فصل غدر لم يكن غائباً عن الأعين الروسية التي سارعت خارجيتها إلى الحديث بكثير من الوضوح عن نقاط تختلف فيها مع تركيا حول سورية، وأنها تحتاج إلى نقاش في لغة دبلوماسية هادئة ومتزنة تستبصر إلى حد بعيد بمشروع غدر تركي، بدأت ملامحه تلوح في أفق المشهد وعلى خلفية اتصال يجريه رئيس النظام التركي مع الرئيس الأميركي.
البيان التحذيري الهادئ للخارجية الروسية من تلك النيات ليس عفو الخاطر، ولا هو خارج مشهد التداعيات التي قرأت فيها موسكو محاولة تركية مكشوفة للعب بأوراق كانت قد أعلنت التوبة عن الإمساك بها مجدداً، وهو يعيد فتح السجال حول مصداقية النظام التركي، التي طالما كانت موضع شك وتشكيك في كل خطوة سياسية تبنى على افتراض الثقة بذلك النظام بعد أن أفضت كل التجارب إلى الجزم بأنه ليس مؤهلاً لها، وإن بدا الاعتقاد الروسي الوارد في البيان التوضيحي أقرب إلى محاولة تحذير أخيرة يدرك أنها لن تكفي، وأن الاطماع والخطط التركية قد تكون أبعد من ذلك، وهو أمر لا يغيب أبداً عن الذهن الروسي..
ما فات النظام التركي أن التعويل على اللعب بالأوراق الأميركية أو للأخذ بها على أنها تضيف إلى رصيد دوره ما يمكن أن يخدم أطماعه وأحلامه البائدة، لا يغطي عيوبه ولا يتستر على نواقصه ولا يخفي نيات الغدر الواضحة، وله محاذيره وانزلاقاته الخطيرة، والتحذير الروسي الذي يمكن قراءته بوضوح في بيان الخارجية قد يكون مؤشراً أولياً على أنه ليس خارج المتابعة الحثيثة والمراقبة المباشرة، وأن الطعنة التي تلقتها روسيا ذات يوم لا تزال ماثلة في الذاكرة الروسية وحاضرة في مختلف أوراقها السياسية، وليست على استعداد للانتظار حتى ترى الثانية أو التفكير بها مرة أخرى.
الطبع التركي يغلب على أي حالة أخرى حتى لو خرج من جلده، وأن من شب على شيء لا يمكن أن يشيب إلا عليه، والتركي الذي راوغ وطعن وغدر واستثمر في الإرهاب كان وسيبقى حيث يتخندق مع الإرهاب، وأن حبل النجاة الذي قدمه الروسي لم يكن سوى لحظة مؤقتة اقتضتها الضرورة القسرية التي وجد في الاتصال الهاتفي بوابة الفكاك منها أو عتبة العبور إلى الحضن الأميركي الذي يصعب على التركي أن يكون خارجه، وليس من المستبعد أن نجده غداً أو بعد غد، قد حمل أوراقه التي وضعها في السلة الروسية ومن دون أي اعتراض ليضعها كاملة في السلة الأميركية والإسرائيلية معاً مع كامل الرجاء والتوسل..!!
a.ka667@yahoo.com