الثورة- باريس – أحمد صلال :
تتحرك المخرجة السورية هالة العبد الله، انطلاقاً من الحدث السوري، وتتخذ التاريخ والحاضر بمسارات موازية، تتماس مع نقد النظام المنصرم، وتستمد أقاصيصها السينمائية من المآسي السورية، يمكن توظيفها في تشكيل الملامح السينمائية الأساسية، وتحديد ملامحها.. وتعتبر من أهم المخرجين السوريين في فرنسا التي رسخت فنها لخدمة الثورة السورية. العبد الله التي أجبرت على المنفى الباريسي بعد اعتقال 14 شهراً، ليست وجهاً عابراً في وجوه العابرين في فرنسا، تقول: “لنتأمل خلال دقيقة واحدة ما يجري في سوريا، شعب ثائر ضد نظامه المجرم”، هذا الشعار الذي كانت ترفعه دائماً خلال عروض أفلامها في كبريات المهرجانات السينمائية في العالم، وخلال التظاهرات والنشاطات الثقافية والسياسية التي لها اليد الطولى بها.
أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها
الفيلم السينمائي الأول “أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها، الحكاية عن المنفى، ركبتها في سياقة لا يعوزها المرونة، قصص مختلفة عن نخب سورية غادرت الوطن قسراً مثلما يتناول الفيلم الفنان التشكيلي المعروف يوسف عبدلكي، الذي قضى 25 سنة في المنفى الباريسي، مع أن قصتيهما مختلفتين فإنهما يتشابهان مع بعض في الدوافع، المخرج عمر أميرالاي، والفنان التشكيلي يوسف عبدلكي، ولاسيما حين نتحدث عن سينما تكتسب قيمتها من خلال تناوباتها الزمنية بين الماضي والحاضر، بأشكال وأنماط مختلفة منها مفاهيم المنفى والوطن، إذ إن يوسف عبدلكي قضى حياته منقسمة بين باريس ودمشق.
هيه!، لا تنسي الكمون
فيلم”هيه!، لا تنسى الكمون”، عن الأديب الراحل جميل حتمل، تتلاعب بالفيلم هالة العبد الله على حبال المنفى والرغبة والموت القسري، سواء كنا ندرك ذلك أم لا، نحن محبوسون في المنفى ولا نتمتع حتى بأبسط الحقوق، الألم الموت الفقد الوجع الغربة والوطن، ثيمات تجعل من السينما مفتوحة على سيرة حياة شخص، والفعل الثوري لا يغيب عن كوادر هذا الفيلم. وكان الفيلم صادماً وقاسياً عن الواقع السوري من خلال سيرة ذاتية لأحد ضحايا النظام البائد، العبد الله عبر الحركة والإزاحة تظهر أبعاد شخصية جديدة، شخصية ليس من السهل المساس بها سينمائياً، ولا تتجاهل جوانب أخرى من الشخصية عن عمد، معبرة عن انتماء وإخلاص شديد للبلد الأم، وهويتها وبيئتها الأصلية، والجدير بالذكر أن تلك الأفعال ترتبط بالموت بوصفه تجربة مؤلمة أو بوابة بين عالمين.
كما لو أننا نمسك كوبرا الأصوات تتعدد في عمارة العبد الله السينمائية في فيلمها “كما لو أننا نمسك كوبرا” والأزمنة ليست استثناء على قاعدة التنوع، حيث كوادر التصوير تحاكي حقبة زمنية سابقة وأخرى تالية لثورات الربيع العربي، والأمكنة بدورها تلحق ركب هذا التنوع، حيث تنتقل كاميرا الفيلم بين دمشق والقاهرة، لتسرد العدسة قضايا كبرى تراود خواطر أصحاب الإبداع في البلدان العربية، ربما صوت سمر يزبك وهي تتلو فصول من روايتها “تقاطع نيران”, أحدثت حالة وجدانية مترافقة مع روعة كوادر صور عدسة العبد الله، ليقع الفعل المأمول من الاشتغال السينمائي. يظهر في الفيلم رسام الكاريكاتير العالمي علي فرزات ليروي بذائقته الثقافية البسيطة منقطعة النظير والمتأصلة، حالة قمع الحريات في سوريا، يظهر فرزات في الفيلم في وقت سابق على الهجوم البلطلجي الذي طاله على أيدي شبيحة النظام المخلوع، ثم يظهر تالياً بعد الهجوم عليه، مثقف مبدع يعرف الحقيقة التي دفع ثمن البحث عنها، وهنا يكمن ذكاء العدسة، ليكون للواقع المأمول/ الحرية، واقع فعلي معاش/التضحية.
أميرالاي: الألم، الزمن، الصمت
تخلق هالة العبد الله، عالماً يشوبه الحلم، لكنه لا ينفصل عن الواقع إلا في لحظات تكثيف الرؤى، وكأنها ذروات أشبه باختراق جدار مادي إلى مساحة ما ورائية، أو ذروات ملفوفة بالعنف تنتج صدمة للمشاهد، فهي تتفاوت بين أن تكون في غاية الشاعرية أو في غاية القسوة، وكلاهما مكمّل للآخر، هكذا يبدو عليه الحال في فيلمها الأخير”أميرلاي: الألم، الزمن، الصمت”.