الثورة – عبير علي:
أقامت جمعية التراث الشعبي، برعاية الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين فرع سوريا، اليوم في مقر الاتحاد ندوة بعنوان “رموز تراثية في طوفان الأقصى”.
قُدِّمت في الندوة مداخلتان للدكتورة نجلاء الخضراء والدكتور محمد عياش، ناقشا فيها أهمية الرموز التراثية في التعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية.
افتتحت الدكتورة الخضراء حديثها بالإشارة إلى أن فلسطين أصبحت رمزاً يحمل تاريخاً عميقاً، معبرة عن مأساة حقيقية تعيشها الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في ظل الاحتلال.
وأكدت أن قضية فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل هي هوية ثقافية تُضعفها محاولات العدو لفرض الهيمنة الغربية، في سياق محاولته إجبار العرب على قبول الوجود الصهيوني.
انتقلت بعدها الخضراء لتعريف الهوية الوطنية بأنها مجموعة من الخصائص التي تميز أمة أو مجتمعاً عن غيره، وتشكل أساس وجوده، وأوضحت أن الهوية، عندما تتعرض لمحاولات التفكيك من قوى خارجية، تصبح معركة وجود.
أشارت الدكتورة الخضراء إلى أن الرموز الثقافية، مثل خريطة فلسطين والزيتون والمساجد، تلعب دوراً محورياً في هذا الصراع، إذ تعبر عن التمسك بالجذور والوطن.
واعتبرت أن الأدب والفن يجسدان هذه الرموز كرموز للصمود، ما يعيد للقضية الفلسطينية مستوى حضورها محلياً وعالمياً.
كما تجلى ذلك في معركة “طوفان الأقصى”، التي أعادت موضعة هذه الرموز كرفض للاستعمار، وهي فرصة مهمة لإعادة التأكيد على الهوية الفلسطينية ورموزها التراثية التي تسعى إلى تعزيز الوجود الوطني للفلسطينيين في مواجهة التحديات المستمرة.
اعتبرت الدكتورة الخضراء أن أهم الرموز الفلسطينية في معركة “طوفان الأقصى” هي:
أولاً: المسجد الأقصى، الذي يُعتبر من أكبر مساجد العالم وأول القبلتين، إذ أكدت على قدسيته وجمال قبة الصخرة، مشيرة إلى دوره المحوري في الهوية الفلسطينية.
ثانياً: النكبة التي تعبر عن الكارثة التي وقعت في عام 1948، إذ أدت إلى تهجير حوالي مليون لاجئ وتدمير 418 قرية. وتعتبر هذه الذكرى مثاراً للحنين والتحدي، وتُظهر عزم الفلسطينيين على استعادة حقوقهم.
ثالثا: الشهادة والشهداء، إذ تمثل الشهادة الموت في سبيل قضية سامية،
صراع من أجل الهوية والتحرير
انتقلت الدكتورة الخضراء بعدها للحديث عن معركة “طوفان الأقصى”، التي اعتمدت على هذه الرموز في خطاباتها وتصرفاتها وردود أفعالها، فرفعت المعركة قيم الأخلاق العربية والإسلامية، مثل الشجاعة والعزة والكرامة والإقدام، مع التأكيد على رفض الظلم والذل والاستسلام.
وأطلقت المقاومة على نفسها اسم “طوفان القدس”، إذ جمعت بين مصطلح “الطوفان” المذكور في القرآن الكريم واسم “الأقصى”، لترسل رسالة واضحة إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأن الهدف هو تحرير فلسطين وعاصمتها القدس.
وشددت الدكتورة الخضراء على أن سبب تلك المعركة هو الانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى وقدسيته، واستطاعت المقاومة أن تحظى بتعاطف ورضا الأغلبية من خلال هذه التسمية، التي لامست مشاعرهم وأيقظت في نفوسهم حس الانتماء إلى تلك البقعة المقدسة.
استطاعت معركة “طوفان الأقصى” أن تجرف الصورة الزائفة للحضارة التي ادعاها العدو الصهيوني، لتظهر مكانها الإبادة والإجرام وسفك الدماء.
كما ألغت الخطابات والشعارات الكاذبة، لتبرز أهم الرموز الثقافية والوطنية مثل البرتقال والزيتون والزعتر.القدس ومعركة “طوفان الأقصى”.
تحدث الدكتور محمد عياش في ندوته عن عدة محاور تتعلق بالقدس ومكانتها ورمزيتها في قلوب العرب والمسلمين، إذ أكد أنها تمثل “أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد الحضارات السماوية، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم”، مشيراً إلى أنها تحتل مكانتها القدسية في قلوب المسلمين.
وأضاف: “إن القدس هي البارومتر “المقياس” الحقيقي للوضع العام للعرب والمسلمين، فقد قيل قديماً: إذا كانت القدس مع المسلمين، فإن حالهم وترحالهم بخير، وإذا كانت بيد الأعداء والمستعمرين، فهم في حالة من التشرذم والفرقة، وسيادة الخلافات والاختلافات وربما الاقتتال فيما بينهم”.
علاقة “طوفان الأقصى” بالعقيدة الإسلامية
كما تحدث عن العلاقة بين معركة “طوفان الأقصى” وأهميتها كمرشد وموجه آيديولوجي، إذ أكد: “لقد جاءت تسمية المعركة البطولية التي قامت بها المقاومة في السابع من أكتوبر 2023 بـ “طوفان الأقصى” لأن مفردة الأقصى ذكرت في القرآن، ما يدل على توحيد المسلمين حول هذه المسلمات، وهي موجه عام لهم مهما كانت مسمياتهم وتقسيماتهم”.
ولفت الدكتور عياش إلى أن هذه التسمية تأتي في سياق التاريخ المعاصر، إذ أشار إلى ما حصل بعد معاهدة سايكس بيكو وتقسيم بلاد الشام، “الهدف خلق دول متناحرة متباعدة على المبدأ السيء الذكر: فرق تسد”.
رؤية الكيان الصهيوني للقدس
انتقل الدكتور عياش للحديث عن رؤية الكيان الصهيوني للقدس ومحاولاته فصلها ونسيانها من الوجدان العربي والإسلامي، إذ أشار إلى أن هذه الرؤية “لم تأتِ عن عبث، بل نتيجة التمسك بها وإقناع العالم بأحقيتهم في سيادتها واحتلالها، لتثبيت رواياتهم الكاذبة”. واستشهد بكلمات شلومو غورين، كبير أحبار اليهود، الذي قال: “إن الصهيونية وأهدافها معرضة للخطر ما دام المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة قائمين أمام أعين المسلمين وأفئدتهم، لذا يجب إزالتهما من على سطح الأرض!.
” كما أشار إلى اعتراف يشعيا بن فورت، الذي قال: “الحقيقة لا صهيونية دون استيطان، ولا دولة يهودية من دون إخلاء العرب ومصادرة الأرض وتسييجها”، موضحاً أن الأمثلة على الأطماع الصهيونية ومخططاتها كثيرة، مشيرا إلى تصريحات وزير الأمن الصهيوني إيتمار بن غفير والخرائط التي رفعها بتسلائيل سموتريتش، وزير المالية، والتي تعكس طموحاتهم في توسيع المشروع الصهيوني ليمتد إلى بعض الدول العربية.
تحول استراتيجي وكسر للسردية
كما تناول الدكتور عياش في حديثه نتائج العدوان الصهيوني على القطاع والضفة الغربية، مشيراً إلى أنها كانت “مثل انفجار نووي في الصراع العربي – الإسرائيلي وصدعاً في جدار المفهوم الاستراتيجي”. فقد أعيد تعريف مفاهيم القوة والشرعية والردع، وتحولت الثورة من حالة الدفاع إلى “فاعل استراتيجي قادر على إعادة موازين النفوذ”.