الثورة – غصون سليمان:
حين تنسج الكلمات ربيعها الحقيقي، تبتهل الجغرافيا، ويعزف التاريخ ما لم تسطره الحروف في حبر الأيام..فكما أن لرياح الشر والفتنة والتفرقة طواقم من أشكال مختلفة بفضاء العالم الافتراضي، تغدو نسائم الخير والمحبة، وما أكثرها باقة معطرة غافية بين أفئدة العقلاء في حنايا الوطن. فرغم التلعثم في خطاب الكراهية عند البعض نجد بالمقابل خطاب الفصاحة عند العقلاء ممن جمعتهم الأرض واختبرتهم التجارب، رغم ويلات الحروب والمحن والأزمات المتلاحقة.
فمن صفحاتهم طافت كلمات الود لترسم خريطة وطن أبى أن يكون إلا واحداً موحداً بأنفاس أبنائه، فحين يفوح عطر الكلام من صفحة جبل الشيخ بمعزوفة من وعي ولحن من إباء وأوركسترا تعكس الفسيفساء السورية، يكون لعذوبة اللحن مع هذه الحروف هزيمة لكل عراة الفكر والنظرة الضيقة.
تقول القصيدة بلغة المجتمع الأصيل..
أنا ابن عسال الورد، وابن جبل الشيخ الشامخ، أخوالي من عرنه وافتخر، أهالي جبل الشيخ في جميع القرى، أنتم الكرامة والصبر.في كل بيت بين السفوح والقمم، من بيت سابر، وبيت تيما، وكفر حور، ومغر المير، وحرفا، وبيت جن، وحينه، وعين الشعرا، والسودا، والمقروصه، ودربل، وعرنه، والريمة، وبقعسم، وقلعة جندل، وعيسم، كلنا أهل لا تجعلو الفتنه تحرقنا.أنتم جيرانٌ في الدار، إخوةٌ في الشدائد، سندٌ لبعضكم في وجه الأيام.التوعية تبدأ من البيت، ومن قيم الجيرة الطيبة.
التفاهم وقت الأزمات
أكدوا ويؤكدون مراراً أن التفاهم أكثر ما يثمر هو وقت الأزمات لأن الاختلاف طبيعي، لكن الاحترام واجب، وبالكلمة الطيبة تُطفأ نار الفتنة.هؤلاء الناس تجمعهم مروءة التكافل والتراحم، فالجار يعين جاره، والميسور يسند المحتاج، والكلمة الطيبة لا تُكلف شيئاً، لكنها تُنقذ قلوباً وأفئدة.أبناء هذه المناطق يدعون باستمرار وفي كل الظروف إلى حماية الأبناء من الجهل والتفرقة، من خلال تعليمهم، أن الخلاف لا يفسد الود، وأن كل من يسكن الجبل هو “أهل”.. مع تأكيدهم الحفاظ على الأرض والطبيعة، ولطالما الجبل أمانة، فلا يجب أن تحرق غاباته، ولا يفرّط في مياهه.. باعتبارهم حُرّاسه الحقيقيون.أهالي هذه المناطق المذكورة كغيرهم من أبناء الوطن شددوا على رفض الفتنة والفرقة حين ذكروا بألا يجعل أحد من الطائفة أو الحزب أو الانتماء سبباً للبُعد، بل جعله تنوعاً يزيد الجميع غنىً وقوة.
فحق الجيرة عند هؤلاء لا يُقاس بالمكان فقط، بل بالموقف وقت الشدّة.. جارك ليس فقط من يسكن بجوارك، بل هو شريكك في السكينة، وفي المحن.منزلك، قريتك، مدينتك، محافظتك، وطنك، كل من حولك هم جيرانك في المسؤولية، وفي الشدائد يظهر الجار الأصيل.لنكن جميعنا أصلاء حين تضيق الأحوال، نحتاج التفاهم لا الخصام، التآخي لا التفرّقة، وقلوباً تسند، لا أصواتَ تُدين.نعم..لنكن جيراناً نُعين بعضنا في الرخاء وأن نبقى كما كنا دائماً، جبلاً لا تهزّه الريح، وسنداً لا ينكسر، وقلوباً لا تعرف الكراهية.. ونشد على أيدي بعضنا في لحظات الشدة.