قصة يامن صقر:
مرّت عشر سنوات، لكن لم ينس أبو جاد تقاسيم وجه ابنه أيمن، الذي كان عمره عام 2015 ستة عشر عاماً، كان في الصف العاشر.لم ينس ذلك الإصرار على السفر خارج البلاد في عينيه، ولا ذلك التصميم على العمل لمساعدة والديه لتغيير ظروف المعيشة القاسية.كان أيمن أكبر من عمره، لديه إحساس عالٍ بالمسؤولية، يحمل هموم الأسرة مع والديه، لكنه رغم ذلك كان دائم الابتسام، خاصة حين تقع عيناه بعينَي والديه.نعم كان في الصف العاشر حين قرر السفر إلى تركيا للعمل..في تلك الليلة بقي يتجول في غرفته طوال الليل، يوزع نظراته بين جدرانها، يتأمل المصباح والنافذة والباب وخزانة الملابس، وثيابه المعلقة فيها.. كان موعد السفر في الساعة السادسة صباحاً.
لم يرغب والده بسفره، رغم أن شابين من أبناء عمومته، يكبرانه بسنتين فقط، كانا مسافرَين معه.وكان الهدف من السفر هو البحث عن عمل يوفر منه مالاً لمساعدة والديه وبقية أخوته.قبيل لحظة الوداع تجمدت الدموع في عينَي والديه، والأمل يحدوهما بأن الخوف سيتسرب إلى قلب أيمن ليلغي فكرة السفر، لكن الإصرار جعله لا يحيد عن هدفه، لذلك تغلب على عواطفه.
عانق والدته ثم والده وسط صوت مخنوق من دون أن ينظر في وجهيهما كي لا يضعف، أو ربما حتى لا تحمل ذاكرته صورة دموع والديه.استدار باتجاه الباب، وقبل أن يخرج أخرج من جيبه قطعة نقود من فئة الألف ليرة وقسمها إلى نصفين، وضع نصفها في جيبه، وأعطى النصف الثاني لوالده، وقال: احتفظ بهذا النصف يا أبي وادعُ لي لأعود ونجمعهما معاً بعد أن أحقق هدفي من هذا السفر..
باعدت بينهم المسافات ومضت السنوات العشر، وعاد الفتى الصغير في العام 2025 شاباً ممتلئاً، وفي أول لقاء مع والده، أخرج قطعة النقود، وقال مبتسماً، حان وقت جمع القطعتين، واغرورقت عيناهما بدموع اللقاء.