ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تزايد ما تسميه أميركا «أخطاء» في استهداف المدنيين، وتجاوزت وتيرة التصعيد ومساحة الخطأ نفسه كل سقف أو حد في تحركاتها التكتيكية المفضوحة مع بعض المرتهنين لقرارها، وباتت حالة تفرض حضورها على أي حديث،
وهي تتزامن مع تصعيد إرهابي لا يخفى على أحد، وشواهده الكثيرة تجزم بأن منظومة العدوان تتوازع الأدوار والمهمات الوظيفية بينها على نسق جديد اقتضى إعادة تشغيل وإظهار ما كان مؤجلاً أو مضمراً وخفياً، حيث الأميركي يتولى إشغال الوقت بغموض حركاته الاستعراضية بما يزيد من طرح الأسئلة المؤجلة، فيما الإسرائيلي يمارس عربدته وعدوانيته المستمرة علناً إلى جانب الإرهابيين، أما المشغلون الإقليميون فيتحركون في سياق تعطيل المسار السياسي أو دفعه ليبقى مراوحاً في المكان ذاته.
فمسألة استهداف المدنيين من قبل التحالف الأميركي.. وعدوانه المستمر على الأراضي السورية بما فيها ما نشر عن عمليات إنزال للمارينز، لم تعد مجرد حالة عابرة أو خطأ يتم الاعتراف به لاحقاً، بقدر ما بات سياسة مدروسة لها أهدافها المعلنة وتلك المضمرة، والتي تحاكي في جزء منها محاولة يائسة للتغطية على فشل ذلك التحالف في تحقيق خطوة واحدة أو المساهمة في دحر الإرهاب ولو كان من شبر واحد، بحيث يكون نهجاً يتم خلاله التمهيد لإعادة توجيه أجندة العدوان بما فيها الإرهاب ليتوافق مع المخطط الجديد لتأجيج الصراع في المنطقة.
في الجوهر .. حياة السوريين ليست للتجريب، وهذه الاعتداءات المتكررة ليست مجرد عملية تفتقد لأبسط المبررات، وحتى الذرائع فيها تبدو ذات طابع إشكالي أخلاقياً وقانونياً، بل تأتي في إطار ممنهج غايته الأساسية إعادة خلط الأوراق وهي تستهتر إلى أبعد الحدود بحياة المدنيين، حتى باتت مجمل العمليات التي تقوم بها تخدم تلك المنظومة من الاعتبارات أكثر من كونها في سياق الادعاء الأجوف بمكافحة الإرهاب، خصوصاً حين ترتبط مكانياً وزمانياً بتوقيت المشهد الإقليمي ميدانياً وسياسياً، كما يترافق بتطور التجاذبات في المشهد الدولي.!!
هذا يقود إلى مسار لا بد من وضع النقاط فيه على الحروف، وإن الانتهاكات المستمرة لا يمكن النظر إليها على أنها مسألة تفرضها معطيات وتطورات.. وأحياناً حسابات ومعادلات، بقدر ما ترسم أسئلة صعبة بات من الملح أن تطرح وعلناً، وأن المسؤولية ليست في الاعتراف بالخطأ من عدمه وإنما في الغاية التي بات فيها المدنيون الأبرياء مجرد أرقام إحصائية لا تقدم ولا تؤخر.
فإذا كانت الأخطاء وبهذه الطريقة من قبل الولايات المتحدة الأميركية الدولة العظمى فبات لزاماً أن تعيد النظر بكل مقدراتها التي باتت عبئاً ثقيلاً على العالم، وإذا كانت متعمدة فقد آن الآوان لوقفها ووضع حد لها، لأنها في سياق التجربة الأميركية لم تقدم سوى المزيد من المساهمة في توسيع رقعة الإرهاب، وهذا ما يجب طرحه وعلناً، وأن العمل خارج القانون الدولي له محظوراته وتداعياته الخطيرة ولا يمكن السكوت عنه تحت أي مسمى، وعلى الجميع تحمل مسؤوليته تجاه الحالة العدوانية.
ولعل هذا الأمر يشكل المدخل لإعادة تصويب الأشياء وفق مسارها الطبيعي، وبالتالي تصحيح ما استطال منها من حالات مرضية باتت خطراً على الوجود الإنساني بأبعاده المختلفة، وأن استهداف المدنيين والبنية التحتية لم يكن في أي لحظة من اللحظات لمكافحة الإرهاب ولا يمكن أن يكون، بقدر ما هو محاولة لحماية الإرهابيين وتقطيع أوصال الأرض السورية من أجل تنفيذ أجندات عدوانية خاصة لم تعد خافية على أحد.
واللافت أن هذه «الأخطاء» باتت تتكرر بطريقة نمطية ومن دون أي تعديلات وفي توقيت يثير المزيد من التساؤلات المشروعة حول أهداف وغايات ذلك التحالف، حيث داعش الذي تتقلص مساحات انتشاره على الأرض يجد في العون الأميركي الإسرائيلي جسراً إضافياً لإطالة أمد وجوده، أو على الأقل منفذاً أو فرصة للنفاذ والمراهنة على التطورات الإقليمية لإعادة توجيهه، بحيث تتمكن الإدارة الأميركية من استيعابه وليس مواجهته، وتقليم أظفاره ليكون أكثر اتساقاً مع أطماعها، حين تستدعي الحاجة استخدامه في مشروعها القادم.
في المحصلة هذه «الأخطاء» سياسة أميركية واضحة الأبعاد والأهداف، وهو ما ينسحب على كامل المقاربة الأميركية لقضايا المنطقة وخارجها، حيث باتت الأخطاء في استهداف المدنيين.. والأخطاء في حماية الإرهابيين أو التعاون معهم وإدارة تنظيماتهم.. والأخطاء في السياسة وفي القرارات والتعاميم الرئاسية أنموذجاً للتعاطي الأميركي، ومنهجاً معتمداً في أخطر مراحل الغموض الأميركي للإبقاء على خيوط التجاذب قائمة ريثما تتشكل خارطة جديدة للتحالفات المتحركة، سواء كانت آنية تقتضيها التطورات الميدانية أم استراتيجية تمليها الأطماع الأميركية.
a.ka667@yahoo.com