ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن قرار الرئيس الأميركي بوقف برنامج تسليح الإرهابيين، أو ما دأبت أميركا على تسميتهم المعارضة المعتدلة التي سبق لرئيسها السابق أن قال عنها: إنها مجرد فانتازيا، هو الدليل الوحيد على تورط أميركي علني وسرِّي في توريد الأسلحة تحت عناوين ومبررات وذرائع متعدِّدة،
كما أنه لم يكن البرنامج الوحيد المعتمد أميركياً، فحسب المعلومات الموثقة، فقد اقتضت السياسة الأميركية في عهد إدارة أوباما أن يكون هناك ثلاثة برامج بالتوازي، كان أولها للاستخبارات الأميركية. والثاني تولت إدارته الخارجية الأميركية. والثالث كان بعهدة البنتاغون. إضافة إلى عشرات أخرى تبرع بها حلفاء أميركا الذين تنافسوا على إطلاقها، وعشرات أخرى تولتها الأدوات الأميركية في المنطقة عن طيب خاطر، وفي بعضها أضافت من عندها.
والسؤال ليس عن مصير البرامج الأخرى، بل عن جملة من السياسات الأميركية التي أوصلت كل أنواع الأسلحة الأميركية للإرهابيين بمن فيهم داعش والنصرة!!
في آخر الإحصاءات فإن الأسلحة الأميركية تستحوذ على أكثر من سبعين بالمئة من حصة سوق الأسلحة المنتشرة عشوائياً، وما تبقى تغطيه من خلال الصفقات عبر طرف ثالث، وفي آخر المعلومات فإن جميع الصفقات الموقعة مع دول من أوروبا الشرقية والغربية كانت تتم بإشراف مباشر من الاستخبارات الأميركية، وهي مدفوعة الثمن من طرف ثالث، وبالاستنتاج المنطقي، نجد أنها لا تقع ضمن محددات البرنامج الذي يتحدث الرئيس ترامب عن إيقافه، لأنه يكلف الأميركيين أموالاً طائلة، حسبما ورد في تغريدته على تويتر دفاعاً عن الاتهامات الموجهة إليه من الإعلام الأميركي.
الأدهى قد لا يكون في سياق كل ما سبق، بقدر ما هو كامن في الكثير من التفاصيل التي يغض الأميركي الطرف عنها، وتتعلق بأن أسلحة التنظيمات الإرهابية لم تصل إليها بالشعوذة والسحر، بل عبر ممرات تسيطر عليها استخباراتياً الولايات المتحدة الأميركية أو شركاؤها، والتمويل كان أيضاً عبر قنوات تابعتها، وتتابع تفاصيلها وزارة الخزانة الأميركية، وكثير من المنظمات الدولية المعنية بأسواق المال والمصارف، وهي تشاطر السياسة الأميركية توجهاتها وأهدافها، وتتقاسم معها الأجندات السياسية والاقتصادية التي ترعاها وتقدم لها الحماية والضمانة.
فالأسلحة الأميركية للإرهابيين ليست ببرنامج هنا أو هناك، ولا في تزويد عبر طرف ثالث أو رابع أو خامس، بقدر ما هي أسئلة ملحة على الأميركي أن يبحث عن إجابات مقنعة، بعد أن وصلت الأمور إلى حدِّ أن تلك الأسلحة التي زود بها الإرهابيين هي ذاتها التي ستستهدف الجنود الأميركيين، ومن الضروري بمكان البحث جدياً عن التداعيات التي ربما أشار إليها الرئيس ترامب من طرف خفي، حين أعلن عن خطورة البرنامج، وهو بهذا الإعلان لا يشير إلى مخاوفه من أن تلك الأسلحة قد تكون خطراً على الشعوب والدول، وإنما لأن خطرها قد يطول الأميركيين في لحظة ما.
وإذا كان من المستبعد أميركياً أن تشكل تلك الأسلحة وصفقاتها المشبوهة أي مشكلة أخلاقية في المدى المنظور، بحكم أنَّ أميركا لا تعنيها المسألة من قريب ولا من بعيد، ولا تهتم لها، فإن التداعيات القادمة، قد تكون المشكل والهاجس الذي ينتظر الأميركي، حيث السوق التي أغرقتها الأسلحة الأميركية، وباتت بمتناول الكثير من الإرهابيين ومن التنظيمات التي يقرُّ الأميركي نفسه بأنها إرهابية، لن يكون بمنأى عن خطرها الداهم الذي تترجمه فصول الأعمال الإرهابية المتنقلة خارج المنطقة، كما هو داخلها، وبالتالي المسؤولية وتداعياتها السياسية لن تكون بعيدة عن الأميركي، وإذا لم تطله اليوم لاعتبارات تتعلق بالهيمنة والسطوة، فلن يكون بعيداً عنها غداً أو بعد غد.
على المقلب الآخر يبقى الدور المنوط بالمنظمات الدولية شاهد إثبات على أنَّ العالم ينحدر نحو كارثة قادمة نتيجة ممارسات غير مسؤولة ودعم مباشر وغير مباشر، قامت به دول وأطراف مدعومة أميركياً على مدى السنوات الماضية، ما يستدعي في أضعف الإيمان أن يخصّص مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسات خاصة حول تسليح الإرهابيين والتحقيق الجدي في القنوات والمصادر والتمويل والتسويق والمطارات التي شحنت منها، والأخرى التي استقبلتها، وشركات الطيران التي كانت شريكاً في إيصال تلك الأسلحة تحت عناوين الرحلات الدبلوماسية، بل يستحق الأمر أن يدرج اليوم على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة..!!
التسليح الأميركي للإرهابيين مرة أخرى يطفو على السطح، وتطفو معه جملة من المعطيات والمؤشرات ذات البعد الإشكالي الخطير الذي يحتاج العالم للتحضر جدياً لمواجهة مخاطره المحدقة، الناتجة عن غياب المسؤولية السياسية والأخلاقية واستحالة المساءلة القانونية لتلك الأطراف والدول والأشخاص، ما يزيد من مساحة الخطورة، ويعمق المأزق العالمي القائم في مواجهة الإرهاب، حيث لا يكفي وقف برنامج فاشل أدى إلى نتائج عكسية خطيرة على الوضع العالمي، وحتى الأميركي ليس بمنأى عنه، ومعه الغرب كله وأدواته داخل المنطقة وخارجها، بل إلى وقفة جادة ومسؤولة تضع النقاط على حروف السياسة الدولية المنفلتة من ضوابطها ومسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية والسياسية.
a.ka667@yahoo.com