بعد مرور أكثر من 6 سنوات على توقيعه.. القانون لم يستطع أن يطال أبطاله!.. 18 مليار ليرة خسـائر فوات انتاج معمل زجاج الفلوت حتى الآن
ثورة اون لاين:
إنها قصة واقعية مؤيدة بالوثائق والثبوتيات والأرقام عن حالة فساد ناعمة ناتجة عن عقد مشبوه.. وأسميتها حالة فساد ناعمة لسببين الأول: لأنها مدمرة اقتصاديا دون إحداث أي ضجيج، والثاني: لأن القانون لم يستطع أن يطال أبطالها بعد مرور أكثر من (6) سنوات على ما قاموا به.
تقول الحكاية
قررت الحكومة إقامة معمل لانتاج زجاج الفلوت كمؤسسة حضارية كانت من المتوقع ان تكون الأضخم في المنطقة بعد أن أكدت الدراسات أن المشروع سيوفر مبالغ ضخمة من القطع الأجنبي للخزينة العامة، وأن المادة الأولية الداخلة في صناعته متوافرة في بلدنا بكثرة وبجودة لا مثيل لها.. لدرجة أن خبراء أجانب قالوا عنها: (هذا ذهب وليس رملا).
إنه معمل صناعة الزجاج بطريقة التعويم (الفلوت) بسماكة 2 12 ميليمترا وبطاقة إنتاجية (108) آلاف طن سنويا.
وهذه الطريقة (الفلوت) هي أحدث طريقة عالميا في صناعة الزجاج.
لاسكو؟!
كيف سارت الأحداث بعد أن قررت الحكومة تنفيذ المشروع..؟
بدأت الأحداث بشكل طبيعي حيث تم تكليف المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية بالتعاقد مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة لتنفيذ المشروع وخصصت المبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع.
رست المناقصة على شركة وسيطة مسجلة حديثا في لبنان اسمها (لاسكو) لم تقم بإنجاز أي مشروع مماثل من قبل وتم توقيع العقد الكارثي (السرطان) رقم (6) لعام (2008) معها بالتكافل والتضامن مع شركة (ياهوا) الصينية وبقيمة عقدية (53) مليون يورو وبمدة تنفيذ 22 شهرا تضاف اليها (4) أشهر لإزالة الموجودات بموجب المخطط العام من قبل المتعهد.
ما السرُّ؟!
مسؤول مطّلع في وزارة الصناعة طلب عدم الكشف عن اسمه قال: ليس لشركة (لاسكو) أي خبرة سابقة.. ليس في صناعة الزجاج فقط، بل في كل أنواع الصناعة، هي لم تنشئ أي مشروع من أي نوع من قبل.. وكأن هذه الشركة التي تم تسجيلها في لبنان قبيل الإعلان عن المشروع قد أنشئت من أجل هذا المشروع!!
المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه تساءل عن السر وراء التعاقد مع شركة ليس لها أي خبرة بصناعة الزجاج!
سرقة 21 مليون يورو
باشر المتعهد المنفذ (شركة لاسكو) عمله بتاريخ (25 / 1 / 2009).
وكان يجب بحسب العقد أن يكون المعمل قد بدأ بالإنتاج بتاريخ (25/5/2011) ولكن (لاسكو) وصلت ببناء المعمل إنشائيا الى نسبة 52 % وورّدت حوالي 70% من آلات المعمل ثم توقفت عن العمل وغادرت موقع المشروع بعد أن قبضت ثمن (98 %) من الآلات.. أي (13،316،975) (ثلاثة عشر مليونا وثلاثمائة وستة عشر الفا و تسعمائة وخمسة وسبعين يورو) زيادة عن ثمن الآلات التي ورّدتها فعليا إلى أرض المعمل.
ليس ذلك فحسب بل أيضا قبضت (7920381) (سبعة ملايين وتسعمائة وعشرين ألفا وثلاثمائة وواحدا وثمانين يورو) مقابل أجور (التركيب والتدريب والتشغيل وخدمات الموقع) التي لم تقم بها الشركة لأن هذه الأعمال تتم بعد إنجاز المعمل؟.
وبذلك يكون المتعهد قد قبض مبلغ (21،237،356) زيادة عن مستحقاته وبشكل لم يعرفه نظام العقود عبر التاريخ!!.
وهذا المبلغ يعادل 47،3 من القيمة الإجمالية للتجهيزات والخدمات في حين أن الكفالة البنكية للمتعهد هي 10 % من قيمة العقد والتوقيفات تعادل أيضا 10 % أي أن المؤسسة في حال استطاعت استرجاع الكفالة والتوقيفات فإن (لاسكو) تكون قد قبضت (27،3%) من قيمة ثمن آلات لم توردها ومقابل أتعاب لم تنفذها!!
بند الضمانات المالية ؟!
ما الذي كان يحدث.. وكيف تم صرف تلك الأموال للمتعهد بغير وجه حق.. أين الثغرات.. ومن المسؤول؟؟
مسؤول في الوزارة طلب عدم الكشف عن اسمه تساءل عن السبب الذي جعل منظمي العقد يهملون بند الضمانات المالية في حال عدم تنفيذ العقد!! ولماذا وضعوا بنودا تسمح لشركة لاسكو بصرف أموال بالمليارات قبل تنفيذ الأعمال المطلوبة منها!!
ولماذا لا يستطيع العقد تحميل شركة (ياهوا) رغم أنها متضامنة ومتكافلة مع لاسكو أي مسؤولية لجهة إكمال المشروع الذي لم تكمله لاسكو أو لجهة استرداد الأموال التي قبضتها دون وجه حق؟!
مسؤول آخر في وزارة الصناعة (طلب عدم ذكر اسمه) أجاب على هذا التساؤل بالقول: بكل بساطة لأن نسخة العقد التي وقعتها المؤسسة مع (ياهوا) تخلو من شرط الضمانات المالية في حال عدم التنفيذ!!
لاسكو لاتملك شيئا لنحجز عليه!
وحين سألت ذلك المسؤول عن إمكانية وضع اليد بحكم قضائي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لشركة (لاسكو) لاسترداد الأموال العامة التي أخذتها بغير وجه حق قال: من المخجل أن أقول لك أنها لا تملك شيئا!!
تهرب
المهندس غسان جسار مدير شركة زجاج دمشق تحدث لـ «الثورة» عن الاسباب التي اوصلت المشروع الى ما هو عليه وتوجهات ادارة الشركة للاقلاع بالمعمل الجديد لكنه احالنا الى المؤسسة الكيميائية، وبعد الالحاح من قبلنا، وعد بالاجابة مراسلة ولغاية تاريخه لم يصلنا أي جواب!.
لاسكو غير جادة
مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية الدكتور المهندس أسامة أبو فخر تحدث عن جهود المؤسسة والاجتماعات المتكررة خلال النصف الثاني من العام الماضي مع شركة لاسكو لإعادة الإقلاع بالمشروع وعن أن المؤسسة قدمت للشركة تسهيلات كبيرة ووافقت على كل شروطها، لكن شركة لاسكو غير جادة في إعادة الاقلاع بأعمال المشروع فهي تطالب بمطالب لا تنسجم مع القانون كإعادة الكفالة النهائية قبل إنجاز العمل رغم أن الكفالة تعتبر الضمانة الوحيدة لاسترداد جزء مما أخذته لاسكو من دون وجه حق.
مناورة جديدة
المكتب الاستشاري الهندسي المشرف على تنفيذ المشروع علّق على طلب لاسكو الأخير بإعادة الكفالة النهائية والتي تبلغ أكثر من 5 ملايين يورو قبل إنجاز المعمل بأنها محاولة لسرقة الكفالة لا أكثر ولا أقل.
وأضاف المكتب الاستشاري أن لاسكو لم تكن جادة يوما في إنجاز المشروع وأنه رفع عدة كتب للمؤسسة الكيميائية بهذا الخصوص وطالبها بتقديم إنذار للاسكو ووضع برنامج زمني لها لتنفيذ المشروع، وفي حال لم تلتزم طالب المكتب الاستشاري المؤسسة الكيميائية بالتعاقد مع شركة بديلة لإتمام تنفيذ المشروع على حساب لاسكو.. أي سحب كفالتها وتوقيفاتها التي تبلغ 20 % من قيمة العقد.. وهي بالتأكيد لا تكفي لإتمام إنجاز المعمل كما ذكرنا سابقا لأن الكفالة والتوقيفات هي حوالي (10) مليون يورو في حين أن لاسكو أخذت أكثر من (21) مليون يورو دون وجه حق!!.
اقتراح
يرى المكتب الاستشاري وجوب السرعة بإعادة الإقلاع بالمشروع الذي وصفه بالحيوي والاستراتيجي وذلك بأن أن تقترض المؤسسة الكيميائية من البنك الصناعي أو من غيره مبلغا لإتمام المشروع، ويمكن بحسب رأيه تسديد القرض خلال بضعة أشهر من أرباح المعمل بعد إقلاعه.
شروط لإتمام المشروع
مرة أخرى مع مدير عام مؤسسة الصناعات الكيميائية الدكتور أبو فخر ليطلعنا عما قامت به المؤسسة لإعادة الإقلاع بالمشروع حيث قال: عقدت المؤسسة الكيميائية عدة اجتماعات مع (لاسكو) خلال النصف الثاني من العام الماضي بناء على توجيهات وزير الصناعة الحالي المهندس أحمد الحمو.. وقد أوجز لـ (الثورة) نتائج اجتماعاتهم مع لاسكو بما يلي:
ـ تم الاتصال بالشركة المتعهدة لاسكو اللبنانية حيث عقدت عدة اجتماعات مكثفة خلال النصف الثاني من العام المنصرم في مقر وزارة الصناعة والمؤسسة بحضور المعنيين في الوزارة والشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية والمكتب الاستشاري الهندسي والمتعهد الثانوي (شركة تقلا) وتمخض عن تلك الاجتماعات تكليف الشركة المتعهدة لاسكو بإجراء كشف ميداني على موقع المشروع لتحديد المتطلبات اللازمة للبدء باستكمال أعمال المشروع وتقديم برنامج زمني لتنفيذ الأعمال والتوريدات المتبقية وتقديم الأسعار المالية للأعمال المدنية المتبقية.
ـ قامت الشركة اللبنانية لاسكو بمعاينة موقع المشروع بمرافقة إدارة شركة الزجاج والمكتب الاستشاري وبحضور الفنيين المعنيين من شركة تقلا (المتعهد الثانوي) وبعدها تقدمت بمذكرة ذات الرقم / 110/ تاريخ 15 / 11 / 2016 / تضمنت طلباتها ما يلي:
ـ إعادة التوقيفات المالية للأعمال المدنية بما يعادل سعر النقد الأجنبي.
ـ تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة من الحكومة لاستحضار الخبراء الصينيين.
ـ تهيئة موقع المشروع والقيام بالأعمال التحضيرية اللازمة للبدء باستكمال أعمال المشروع وعلى نفقة الإدارة (المؤسسة).
ـ إمكانية إعادة التوقيفات بعد المباشرة باستكمال أعمال المشروع والوصول إلى نسبة معينة من الانجاز.
ـ منح الشركة المتعهدة فروقات الأسعار عن الأعمال المدنية المتبقية وبالأسعار الرائجة بعد أخذ موافقة الجهات الوصائية.
ـ إمكانية صرف الكشوفات المالية المتوقفة بالنسبة للأعمال المدنية وذلك بعد أن تقوم الشركة المتعهدة بالعودة إلى المشروع وتلتزم بتقديم برنامج زمني لتنفيذ الأعمال المدنية واستكمال التوريدات.
بعد أن يتم الاتفاق على النقاط المبينة أعلاه يصار إلى إعداد محضر اتفاق مشترك بين المؤسسة والشركة المتعهدة يمثل نقطة الانطلاق من أجل استكمال أعمال المشروع موضوع العقد المنوه عنه ليصار إلى عرضه على الجهات الوصائية للحصول على الموافقات اللازمة للبدء باستكمال الأعمال والتوريدات وتأمين التمويل اللازم وبعدها يتم تفريغ مضامين الاتفاق المشترك بمذكرة تفاهم مشتركة تكون بمثابة برنامج عمل تنفيذي ملزم لكلا الطرفين.
لاسكو تتراجع
يتابع أبو فخر: بعد فترة قصيرة وبتاريخ 15 / 1 / 2017/ فوجئنا بإرسال مذكرة من لاسكو لنا تتراجع فيها عن جميع مــا تم الاتفاق عليه، الأمر الذي يشير إلى الرجوع إلى المربع الأول دون تحقيق أي نتائج ملموسة لاسيما وأنها تقدمت بطلبات توصف بأنها طلبات مستحيلة التطبيق كونها خارج سقف الأنظمة والقوانين النافذة، وهذا إن دل فإنه يدل على مراوغة الشركة المتعهدة في الحصول على كافة طلباتها دون أن تبادر إلى القيـام بتنفيذ ما هو واجب عليها وكما يبدو أن الشركة المتعهدة تريد الاستفادة من موافقتنا على طلباتها بتثبيت حقوقها لتدعي بها علينا أمام القضاء.
وحول الأسباب التي تمنع المؤسسة من سحب المشروع من لاسكو عمليا قال: تم توجيه إنذار نهائي للشركة المتعهدة لاسكو لاستكمال أعمال المشروع خلال مدة أسبوع من تاريخ 19 / 1 / 2017 / وفي حال عدم الاستجابة ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بهذا الخصوص ولم نتلق منها ما يمكن الركون إليه للعودة إلى العمل، لكن لم نسحب الأعمال أملا بعودتها ولأننا لا نستطيع استرداد حقوق المؤسسة المالية منها لأنها لا تملك ما يمكن أن نحجز عليه ويكافىء حقوقنا.
أما بخصوص الحجز على الكفالة المالية فقال لم نحجزها لخلافات قانونية، ولكن طلبنا من البنك التجاري توقيفها وعدم صرفها للشركة.
نتائج لا تحمد عقباها
وبخصوص التأخر في إنجاز المشروع تحدث أبو فخر عن نتائج لا تحمد عقباها مع كل يوم تأخير.. وأوجز الأضرار بما يلي:
ـ تسرب الخبرات الفنية لدى شركة زجاج دمشق بسبب الاستقالات وحالات التقاعد لاسيما العاملين الذين أوفدوا إلى الصين للتدريب.
ـ تعرض المعدات والتوريدات الموجودة في موقع المشروع للأضرار الناجمة عن المؤثرات الجوية ولاسيما أن المعدات الموجودة في العراء.
ـ مرور الزمن يعرض الشركة إلى قدم التكنولوجيا المخصصة لخط الانتاج.
ـ خسائر فوات الانتاج السنوية المتراكمة والتي تقدر حتى الآن بـ 18 مليار ليرة سورية.
الإقلاع بالمشروع أولوية
وزير الصناعة الحالي المهندس أحمد الحمو في حديث (الثورة) معه في مكتبه يوم الأربعاء (19/ 7/ 2017) قال: عملنا خلال الفترة الماضية على إقناع الشركة الصينية (ياهوا) المتضامنة والمتكافلة مع (لاسكو) و الموردة لتجهيزات المشروع باستكمال التوريدات من خلال التعاقد المباشر معها، وذلك من خلال قنوات التمثيل الدبلوماسية.. ولكن للأسف يبدو أن شركة (ياهوا) الصينية الحكومية تعاني من بعض المشكلات المالية والقانونية في بلدها.. لدرجة أننا سمعنا أنه تم الاستحواذ عليها من قبل شركة صينية أخرى.
والآن نسعى لإيجاد شركات بديلة يمكنها استكمال التوريدات وانجاز المشروع وفق العرض الفني المعتمد.. ونتواصل مع الشركات في الدول الصديقة.
• هل يصدق أحد أن تدفع مؤسسة حكومية أكثر من 13 مليون يورو لشركة أجنبية ثمن أجهزة لم تقم الشركة بتوريدها؟
• هل يصدق أحد أن تدفع المؤسسة نفسها للشركة المذكورة حوالي 8 ملايين يورو قيمة أعمال (التركيب والتدريب والتشغيل وخدمات الموقع) رغم أنها لم تقم بها ولن تقوم بها لأنها غادرت موقع العمل منذ أكثر من 6 سنوات؟!
• هل يصدق أحد أن ذلك العقد الذي وقعته المؤسسة مع تلك الشركة خالٍ من بند الضمانات المالية الذي يحمي حقوق المؤسسة في حال نكثت الشركة المتعهدة بشروط تنفيذ العقد؟!
• هل يستغرب أحد أن تترك الشركة المنفذة موقع العمل وتهرب قبل إنجاز المعمل بعد أن قبضت أكثر من 21 مليون يورو ثمن أجهزة لم تورّدها وأجور أعمال لم تنفذها؟!
• هل يزداد الإحساس بالصدمة إذا علمتم أن الشركة التي تعاقدت معها المؤسسة لإنجاز المعمل ليس لديها أي خبرة.. ولم تقم بإنجاز أي معمل مشابه أو غير مشابه من قبل.. لدرجة أن بعض المعنيين في وزارة الصناعة يقولون إنها شركة وهمية تم تسجيلها في لبنان قبل اعلان المناقصات من قبل المؤسسة.. وكأنها خُلقت لهذا المشروع؟!
هلال عون