ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
تعيد الممارسات الأميركية وسطوتها القائمة على شريعة الغاب إلى الأذهان مفهوم «العسس»، وإن جاء بنسخة أميركية مطورة، لكنها في معظم الحالات تكون أكثر ظلامية وسطوة من سائر النماذج على مر العصور،
حيث لا تقتصر هنا على الأنموذج المعمول به أو السائد في الذاكرة الإنسانية وما تراكم منها، بل تضيف تحولات نوعية وفق مقتضى السلوك الأميركي، تبرر إلى حد كبير وقد تجيب عن السؤال المنطقي: لماذا أميركا الدولة الأكثر تهديداً وخطراً في العالم وفق استطلاعات أجرتها مراكز البحوث العالمية؟!
فبعد تجارب عديدة مع العدوانية الأميركية وخروجها الفظ على الأعراف والقوانين الدولية، وانتهاكها المستمر والدائم للشرعية الدولية، تأتي الحروب الأميركية استباقاً أواستلحاقاً لما سبقها لتشكل المستوى الثاني من مظاهر التعسف الأميركي، فيما مجازرها وما ترتكبه بحق المدنيين حيثما وجدت تحت عناوين أخطاء غير مقصودة أو خسائر طبيعية لأعمالها العسكرية كما ترغب بتوصيفها، تمثل المستوى الثالث الذي يتورم خطورة على الأمن والاستقرارالعالميين، ويتناوب الرابع منه بين ضفتي البحث عن بقايا تفرد أميركي يتلاشى، وتمسك أرعن بأحادية جرّت على العالم ويلاتها الكارثية.
آخر الاحصاءات المتداولة عن عدد المدنيين الذي ذهبوا ضحية العدوان الأميركي أو(الخسائر الطبيعية) لأعمالها العسكرية على مدى أقل من عقدين من الزمن تلامس عتبة المليون مدني،وقد تكون الملايين، بعد أن أحصت منها ما يقارب الثلاثمئة ألف في العراق وحده، وما يقارب منه أو يزيد في أفغانستان، ويضاف إليه حسب تلك الإحصاءات عمليات ناتجة عن السلوك الأميركي ذاته مارسه حلفاؤها بمختلف تصنيفاتهم ووجودهم، وهو الأمر الذي بات يشكل ظاهرة بحد ذاته في الاستهدافات المتعددة للمدنيين في سورية، تحت ذريعة محاربة داعش، عندما تصبح سلوكاً يومياً متعمداً وفق الكثير من التحليلات التي توصلت إليها تلك المراكز.
الأخطر ما يتسرب أو يعلن لاحقاً عن عمليات خاصة تجريها أميركا في عمليات إنزال هنا وهناك وفي مناطق مختلفة تحت الذريعة ذاتها، وتمارس فيها عمليات إعدام ميدانية تطول المدنيين بالطريقة نفسها التي تشمل غيرهم، وخصوصاً ما بات يعرف بعمليات آخر الليل أو تحت جنح الظلام، لتعود منهجية العسس وفكره وعقله المستوطن بحلة أميركية وبنسخة مضافاً إليها آخر ابتكارات العقل الإجرامي الأميركي.
على مستوى النقاش المباشر، تتباين التبريرات والذرائع الأميركية من خلال مشاهد متنقلة تتجاوز من خلالها أميركا كل ما سبقها من إجرام وتنفذ أحكامها الخاصة عبر تصفية من تعتبرهم بنظرها لا يستحقون الحياة أو هم عبء على عملياتها العسكرية، وأحياناً مجرد رقم في الحمولة الزائدة التي تهدد عملياتها أو تفضح ما فيها وما اقترفته اليد الأميركية من جرائم ومجازر، فتصبح الريبة قرينة كافية للقصاص ممن ترى فيهم أميركا غير مؤهلين للحياة.
الأمر ينسحب على مجمل النظرة الأميركية للعالم دولاً وشعوباً وأفراد.. وحتى قوى، سواء كانت حليفة أم تعتبرها أميركا في موقع الخصومة، كما أنه في سياق الممارسة يشمل جميع المجالات، بما فيها السياسة والاقتصاد، فحين تعربد عسكرياً فإنها في الوقت ذاته تقنص اقتصادياً، ولا تتردد في السطوة سياسياً وممارسة أقصى درجات الاستلاب السياسي والفكري.
بهذه المستويات الثلاثة من الخطر يتورّم المستوى الرابع الأكثر مدعاة للقلق الفعلي على المستوى العالمي، حيث فرضية الحروب الأميركية المتنقلة، والساطورالمرفوع بوجه دول العالم قاطبة يمثل الدرك الأخير في أفول بدأ يلازم الامبراطورية الأميركية وحقبة هيمنتها، حيث الفارق الوحيد أنها تنتقل من شرطي العالم المقزز إلى سلوك العسس المشين الذي يطوف في ظلمات توحشه بحثاً عما يريب أميركا ويشغل هواجسها ويشعل عوامل قلقها المتواصل، لتفتح على العالم بوابات انزلاقه نحو كوارث إضافية لم تصلها من قبل، حيث العالم ليس على حافة الهاوية، بل جزء من قدمه بات وسطها، ونذرالحروب والصراعات والأزمات العاصفة تجوب دوله ومدنه وحتى شعوبه..!!
a.ka667@yahoo.com