ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : المسافة بين باريس وجنيف في الجغرافيا، قد لا تكون بعيدة.. وحتى في السياسة قد تبدو متقاربة، لكنها في الجغرافيا السياسية كانت متلاصقة، ورغم الفارق لم تستطع الديمقراطية الغربية أن تجد الفروق العشرة لتفوز بجائزة الترضية.
فما جرى أمس من مشاهد متناقضة في كلتا العاصمتين، تسجل من جديد أن المسألة أبعد عمقاً من قراءة سطحية متسرعة لبعض الممارسات التي دفعت إلى ردات فعل مستغربة، وتخط من جديد الأسئلة المؤجلة عن الخفايا التي تحكم كل الظواهر المرتبطة بالنفاق الغربي.
في المتاح .. كانت جنيف بعيدة ومستحيلة على البعض، وهي التي كان يُضرب المثل فيها، لأنها لم تصعب كثيراً على السياسيين ولا على الهواة واشباه الساسة، فجأة تصبح صعبة وغير متاحة، فيما باريس باتت في مرمى الحجر لكل من يريد أن يسجل موقفاً يتناغم معها، وبمتناول اليد، وربما تحت الطلب ووفق الحاجة، وحسب الرغبة التي تمليها السياسة وأحياناً وفق ما يقتضيه أمر العمليات.
تنازعت جنيف وباريس الأضواء على الاستضافة، رغم عدم الاعتياد على ذلك، وما أخطأت به باريس ضاعفته جنيف، وما عجزت عنه الثانية تكفلت به الأولى، لكن في النهاية تقاسمتا المغانم مناصفة، وفتات ما تبقى كان موزعاً مسبقاً، فثمة من عاد خالي الوفاض.. يد إلى الأمام.. وأخرى إلى الخلف، وهناك من ضرب موعداً مع الأضواء من جديد بعد أن شعر بغيابها لبعض الوقت.
منهم من نفض يديه، ورفع وجهه نحو السماء.. اللهم إني بلغت.. لم يقف عند حدود الزمن أو اللحظة التي أعلن فيها بلاغه، ولا المكان الذي نفض فيه يديه، وهو يدرك كما غيره أن ما اكتشفه وما أبلغ به لا يغير في المعادلة ولا يعدل في الحسابات.
الفارق .. أن المصدومين بالديمقراطية الغربية علت أصواتهم- وهم ولاتها وأتباع مذاهبها في السياسة والشعارات- بعد فوات الأوان، وحين لا ينفع بلاغ ولا إبلاغ.. استيقظوا بعد أن غرقوا طويلاً في أحلام عسل التنظير لها، وهم أولاد تربتها ومنتج أجوائها.
أما الخائبون من الحنجلة الفرنسية، وبعد أن شاهدوا، أو لمسوا، أو قرؤوا أول الرقص الأميركي.. يجترّون أوهامهم.. ويدمنون تسولهم، لا يريدون أن يصدقوا ولا أن يقرّوا أن الأولويات تغيرت، والأمزجة التي كانت.. ذهبت إلى غير رجعة، كما ذهب من قبلها الكثير من الوعود والتواريخ والمواقيت.
والفارق أيضا أنهم لا يجيدون فهم الجغرافيا، كما أثبتوا أنهم لا يتقنون فن السياسة، وتلك المسافات التي اعتقدوا أنها قريبة، والأمكنة التي توهموا أنها ملكهم ساعة يشاؤون، وأنهم حفظوها غيباً، كانت وستبقى بعيدة وغريبة، فقد فات وقت الصلاحية، وانتهى مفعول الاستخدام.
كان بمقدورهم أن يوفروا الوقت، وأن يختصروا حساب المسافة بين باريس وجنيف.. لو قرؤوا أو تمعنوا.. فاليوم.. الوقت في سورية.. وما يخص سورية لا يعمل على الساعة السويسرية كما يظنون، بل على الساعة السورية والتوقيت السوري، وطاولات الحوار أو النقاش عن سورية، لم يعد لها مكان في عواصم الغرب، وبوابات دمشق مفتوحة، وقاعاتها تنتظر من يأتيها حاملاً معه المفردة السورية والكلمة السورية والحس السوري.
وحين تحضر الكلمة بلغة السوريين.. من الطبيعي أن تُستبعد باقي الكلمات والمفردات، ويكون الحوار بالمصطلح السوري، وباللسان السوري، لا بلسان أعوج على مقاس الطربوش العثماني ولا بلسان استوى على مسطرة المال الخليجي، أو التوى على المعيار الغربي والأميركي.
a.ka667@yahoo.com