ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
السوريون, بفطرتهم وبالتجربة الحياتية أيضاً, لا يميلون إلى الاستعانة بالعاملين في مجال السمسرة والوساطة في أي مجال إلا إذا اضطروا لذلك, ويظل السمسار عندهم موضع شك وهواجس إلى أن يثبت العكس وبالدليل القاطع,
فمن الشائع بينهم أن الوسيط يمكن أن يزيف ويضلل أحد طرفي الصفقة كي يمررها ويحصل على الأجر.. ودون أن يبالي بالبائع والشاري على حد سواء!
والسمسرة أو الوساطة.. في تسميتها الأكثر تهذيباً, على العموم صنفان, واحد يمارس السمسرة بأصول تجارية وقانونية ومشروعة في تقريب وجهات النظر بعد تقريب أطراف الصفقة وممارسة الضغط ترهيباً وترغيباً لعقد الاتفاق, وآخر يمارسها باعتبارها " شطارة " يمكن أن تشتمل على النصب والاحتيال والخديعة, والمهم أولاً وأخيراً في هذا الصنف ولدى أحصنته تحصيل الأجر.. ولو قامت داحس والغبراء بين طرفي السمسرة.
لكن, ماذا لو حلت السمسرة ورموزها في إدارة مصالح الدول والمجتمعات؟ ثم ماذا لو كانت العقائد والأيديولوجيات هي أدوات السماسرة في عقد الصفقات وتحقيق المصالح؟
ما كان للأغلبية من الأميركيين ذوي الأصول الأنكلوسكسونية أن تجد طريقاً للتفاهم مع إسرائيل بمفهومها الديني الصهيوني ومن ثم التحالف معها والانحياز الأعمى لمشروعها العدواني, لولا أن انحرف بعض سماسرة هذه الأغلبية بحرية تفسير الكتاب المقدس التي أطلقها مارتن لوثر مطلع القرن السادس عشر على مصراعيها رداً على صنمية الكاثوليكية وهيمنتها في ذلك الحين.. وما كان الرجل عالماً في حينه أن ثمة سماسرة سيزيفون ويضللون في مطلع القرن العشرين الحقائق في ما صار يسمى «قضية فلسطين» فتدخل أميركا التحالف مع مشروع إسرائيل والانحياز الكامل له ضد أصحاب الأرض الحقيقيين على يد سماسرة من أبناء الجلدة اليهودية روجوا للصهيونية كقضية حق.
وما كان للأميركيين أيضاً أن يلعبوا في الملعب الإسلامي وطوائفه ومذاهبه فتنة وتكفيراً وقتلاً وتخريباً في بلاده, ومن بينها البلاد العربية, لولا جملة من المفتين السماسرة أو أشباههم من الحكام المسلمين والعرب, زيفوا الإسلام وضللوا المسلمين وجعلوا من الجهاد.. كما فعل أندادهم الغربيون والصهاينة بحرية مارتن لوثر في التفسير, مدخلاً إلى الإسلام وما هو كذلك!
غير أن السوريين الذين أبدعوا أول صور المسيحية الحقة المتحضرة وأول صور الإسلام الحق المعتدل… وهم الكارهون أصلاً للسمسرة والسماسرة بالفطرة قبل التجربة ولم يضطروا يوما إليهما, ما انطلى بريق الصفقة عليهم وما أفلح إعماء السماسرة لعيونهم بالتزييف والتضليل.. رغم البازار الدموي الذي يدور على أرضهم!!