ثورة أون لاين -افتتاحية الثورة بقلم رئيس التحرير علـي قاسـم
لو امتلك الإبراهيمي الإرادة.. لما تردد في اكتشاف الخيط الفاصل بين ما يجري من إرهاب، وبين ما يخطط لسورية، ولو كانت النية طيبة لما أغمض عينيه عن التقاطعات القائمة،
ولا تجاهل الأصابع الإسرائيلية الموغلة من خلف ظهره وربما من أمام عينيه في كل التفاصيل، وخصوصاً في أمر العمليات الأميركي الذي يتلقاه حسب الحاجة الإسرائيلية.
فهل أدرك اليوم معنى أن تغير الطائرات الإسرائيلية على مركز سوري للبحث العلمي بالتزامن مع إحاطته الجديدة أمام مجلس الأمن أو بعدها بقليل؟ أم إنه من غير المسموح له أن يعقد المقارنة، ولا أن يتوقف أو يلحظ «المصادفة» غير البريئة، كما لم يسعفه الوقت ليلحظ توقيت الإجرام الإرهابي كلما ذهب إلى مجلس الأمن؟!
أفرد الإبراهيمي صفحات مطولة للحديث عما في جعبته، بعد أن مكث طويلاً في الردهات الجانبية، واستقر في الزوايا المعتمة، فجاء الكثير مما طرحه انعكاساً لتلك الردهات، وترجمة حرفية لهذه الزوايا.
ربما .. من الطبيعي أن يكون ما قاله مشابهاً أو مستنسخاً من الردهات التي أنتجته، وحتى أن تكون الطروحات التي قدمها عاكسة لنيات من أعدها، إلا أنه من غير العقلاني أن يعوّل أحد على أبعد من ذلك، وقد خرج من جلده وارتدى مكانه جلباباً ليس له ولا على مقاسه، واستبدل لغته ومفرداته ومصطلحاته بلغة غيره، ونطق بلسان لا يشبه لسانه.
في لغة الدبلوماسية التي توهّم أنها الممر لتنفيذ ما عجزت عنه الكواليس جاء الإبراهيمي بما لم يأت به من سبقه، وأضاف إلى المصطلحات ما عجزت عنه حقائب غيره، وفي السياسة تجاوز الإبراهيمي دوره والمساحة المتاحة والهوامش المسموح بها، فغرّب حيث يجب ألا يفعل وشرّق حيث لا يحق له حتى النظر.
أما في الممارسة فقد تخطى الإبراهيمي العتبات، وفي كثير من الأحيان الأجندات الموضوعة، وأضاف على أمر العمليات ما هو خارج النص المطلوب، متجاهلاً ما نستطيع الجزم أنه في صلب مهمته، ولم يعرج حتى في هوامشه على ما يجري على الأرض من حراك، تفترض حياديته الإشارة إليه، على الأقل من باب الكياسة الأدبية التي تقتضي وضع مجلس الأمن بصورة حتى لو مقتضبة بما هو على علم به، بعد رسائل الخارجية السورية.
لم تسعف الإبراهيمي ذاكرته للحديث عما لمسه وشاهده من مجازر الإرهابيين وما يقومون به، ولم يلحظ تركيزهم على المنشآت والبنية التحتية وحتى القواعد التي أعدت لمواجهة أي عدوان خارجي ومنها العربدة الإسرائيلية الأخيرة، لأنه لم يكن في المحاضر المسلمة إليه ما هو مدرج تحت هذا البند، فالتزم الصمت حين كان يقتضي الأمر أن يتكلم، وأسهب في شرح ما هو خارج صلاحياته، وألحّ على تفسير، لم يجد فيه وزير الخارجية الروسي ما يبرره، ولا ما يدفع إلى توضيحه.
لم يشرح الإبراهيمي لأعضاء مجلس الأمن ما يمارسه القتلة والمرتزقة وما يرتكبونه، ولم يوضح لهم لماذا رفضت الأطراف المتورطة التوقف عن دعم أولئك الإرهابيين، ولم يقل لأعضاء مجلس الأمن لماذا يستمر تدفق السلاح والمسلحين وتجنيد المرتزقة وعلى رؤوس الأشهاد، ولم يشر حتى بالتلميح أنها لخدمة إسرائيل، وفي حقائب دبلوماسيته التقارير والقرائن الدامغة، ولم تتسع إحاطته لقول ما تمليه عليه الأمانة والانتماء.!!
قد لا يكون الإبراهيمي في محاولته الأخيرة قادرا ًعلى الخروج من الحيز المحدد، لكنه في الوقت ذاته لم يكن منتظراً منه أن يوصل المجلس إلى الاستنتاج الذي وضعه مسبقاً من أوكل إليه المهمة، فما عجز عنه بالوقائع لا يمكن أن يناله عبر الاستنتاج، وما فشل فيه عبر تدوير الزوايا واللعب على التفسيرات، لن يكون بمقدوره أن يحصّله في طرح قد تجاوزته التطورات منذ زمن بعيد.
يستطيع الإبراهيمي أن يطمئن سلفا ومسبقا، أنه حظي بتمديد خدماته لبعض الوقت لأن هناك ما هو مطلوب منه بعد ولم يفرغ ما في جعبته، ولا يزال في الفضاء السياسي الأميركي ولائحة الخدمات الإسرائيلية بعض الهوامش التي تحتاج إلى لمساته، وخصوصاً بعد أن فاته تسجيل حضوره على اللائحة لبعض الوقت، في ظل حديث متواتر عن تصفية نهائية وغربلة يتمّ الإعداد لها أميركياً وغربياً في كشف حساب مسبق للخدمات المقدمة إسرائيلياً.
a.ka667@yahoo.com