ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: يتدلى سقف العدوان.. فتخرج الأذرع من جحورها، وتطل الوجوه المختبئة خلف أصبعها، وما كان يجري خلف الستار بات اليوم علناً وجهاراً ، وما يمرر من تحت الطاولة أضحى فوقها،
وعلى جوانبها، ما كان يحرج العرب أو بعضهم، خرج من جلبابهم ولم يعد يجد مكاناً له، وما كان يجبرهم على الهرولة نحو واشنطن لتفسير ما قالوه في التصريحات العلنية تبرؤوا منه اليوم على رؤوس الأشهاد.
عدوان إسرائيلي موصوف، مقابل صمت مطبق من الأعراب.. معادلة ليست جديدة، لكنها هذه المرة ربما كانت أبلغ من كل بيانات العرب، ومن جميع إداناتهم السابقة التي لاكتها فضائياتهم على مدى عقود خلت، حتى إنها الموقف الوحيد الذي كانوا صادقين فيه مع أنفسهم، ومنسجمين مع أدوارهم.. وكالة وأصالة.
لن نرى تناقضاً بين موقف الأعراب وبين أفعالهم، تطابقت ممارساتهم مع رغباتهم وحتى تمنياتهم، وقد أعفاهم العدوان الإسرائيلي من حرج التناقض، ومن معضلة الازدواجية، فلاذوا بصمت وفّر عليهم حبر إعادة كتابة ديباجة البيانات المحالة إلى الرفوف بعد أن تكدّس فوقها غبار السنين، كما هوّن عليهم طريق الشرح، فتباروا هذه المرة في طريقة الثناء على الفعلة الإسرائيلية.
على أعقابها كان الأعراب ينتظرون ولا يزالون، وقد وصلت تحذيراتهم المسبقة إلى واشنطن، فنهضت الإدارة الأميركية من غفوة الإخبار الإسرائيلي المسبق بالعدوان، لتحذّر سورية بناء على النصيحة العربية التي تهافت عليها ملوك وأمراء ورؤساء، وتسابقوا عليها في خطب الودّ الإسرائيلي بعد العدوان.
ما جرى لم يكن خلطاً للأوراق، ولا معاكسة للمجريات والتطورات، بل على العكس تماماً، كان ترتيباً توافقياً ومنطقياً للأدوار والمهام في التوقيت والمكان وبالطريقة أيضاً، وكان تصريحاً لا تلميحاً، وفعلاً لا قولاً، وأعاد إلى الذاكرة ما حاول البعض أن يشطبه أو أن يتجاهله أو يتناساه، وقدم بالدليل القاطع الاتجاهات والأهداف.
انتظار الأعراب اليوم يتجاوز تمنياتهم المتخمة بالتشفي من السوريين، ويطلق العنان لتخيلاتهم في التداعيات إلى حد أن الكثير منهم يرتّب حساباته على رسم تصوّرات تنطلق من أوهامه وافتراءاته، وتتابع الجز في التكهنات، وهي تنفخ في رماد أخمد جمره منذ وقت طويل، ويتناسون أن سورية لا تشبه إلا ذاتها، والحسابات التي تجري في أمكنة أخرى لا تصلح للقياس على الحالة السورية.
والمفاجأة كما كانت في الصمود الأسطوري لسورية والسوريين، ستكون في رد العدوان ومن منطق الخصوصية السورية أيضاً وفهمها لكل ما يجري، وكما كانت المعادلات يتم ترتيبها على المنطق السوري، فإن عقارب التحركات والتداعيات ستكون أيضاً على التوقيت السوري، وبالطريقة السورية، وعلى قدر الإرادة التي يجمع عليها السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى.
جاء العدوان الإسرائيلي ليأخذ معه الاصطفاف السياسي إلى حيزه الطبيعي، ويعيده إلى سياقه المعتاد، فيتم الفرز مجدداً وفق معادلة لم تعدل كثيراً في ترتيب أولويات أطرافها، بقدر ما أكدت التموضع الجديد القديم على ضفتي الحدث.
الفارق أن الاصطفاف هذه المرة جاء علنياً، والقضية لم تعد اتهامات او استنتاجات، ولا فروقاً في الحسابات أو التوقيت، بل تكامل في الأدوار، وتنسيق في المهمات الموكلة، وحتى في الصراخ والضجيج حيث تستعيدالأعراب حنجرتها المبحوحة بعد أن بلعت لسانها، بانتظار أن تكمل إسرائيل ما بدأ به مرتزقتها، وأن تقوم بما عجزوا عنه.
الخيبة التي توهم الأعراب أنها قد تبتعد عن وجوههم، وهم يستقوون بالعدوان الإسرائيلي، تعود أدراجها وترتسم من جديد على وقع الضبط السوري وتصويب البوصلة، فتعيدهم إلى الهرولة خلف أرواقهم المتساقطة بما فيها ورقة التوت وقد أدمنوا طأطأة الرؤوس وهي ترتطم بسقف العدوان.
a.ka667@yahoo.com