ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تعود لغة القلق إلى خطاب الأمين العام للأمم المتحدة في توقيت يثير الشبهات ويطرح الكثير من الأسئلة المقلقة عن أدائه على خلفية سلسلة من المواقف المريبة التي بدت حمّالة اوجه، وتستنسخ إلى حد بعيد المواقف الأميركية والغربية على وجه العموم في المقاربة التي تتبناها عمّا يجري في سورية والحرب على الإرهاب،
خصوصاً حين يحضر القلق فقط عندما تبدأ التنظيمات الإرهابية بالاستغاثة، فيما ابتلعت المنظمة الدولية لسانها على مدى سنوات الحرب التي تشنها أميركا وداعمو الإرهاب على سورية، ولم تنبس ببنت شفة حين كانت تلك التنظيمات ترتكب مجازرها، أو عندما تمارس منظومة العدوان اعتداءاتها الخارجة عن أي شرعية والمنتهكة لكل قانون.
فالمعضلة القائمة ليست في المضمون فقط، رغم ما فيه من تجنٍ على الحقيقة، ولا هي في التوقيت فحسب، على ما يثيره من شبهات، وإنما أيضاً في السياق الذي تجري فيه المناشدة الأممية، حين تقتصر على اللحظات التي تواجه فيه التنظيمات الإرهابية مأزقاً، وتلوذ المنظمة الدولية بالصمت حين يقتضي دورها الحديث بوضوح، أو حين تتطلب مهمتها الأساسية وضع النقاط على الحروف، حيث بات لافتاً هذه الخشية على التنظيمات الإرهابية، وذاك الهلع على الإرهابيين ومصيرهم المحتوم، ولا يجد الأمين العام للأمم المتحدة أي غضاضة في تبني موقف يُفهم منه ويُستشف على نحو صريح محاولة لحماية للتنظيمات الإرهابية، وفي أضعف الإيمان الدفاع عن جرائم الإرهابيين وتشجيعاً لهم.
والأغرب من ذلك أن يكون موقف المنظمة الأممية متطابقاً وأحياناً سابقاً لموقف الإرهابيين ناهيك بتطابقه الحرفي مع موقف منظومة العدوان التي لا تكاد تعلن عن مشهد حتى يكون الموقف الأممي وتحديداً من مبعوثها الخاص إلى سورية سابقاً له، وفي كثير من الأحيان يكون محرضاً وموجهاً لمنظومة العدوان وأطرافه الإقليمية والدولية للمباشرة في تجيير التفاصيل الملحقة بالمشهد لخدمة الأجندات الجاهزة والمعدة سلفاً، حيث تنطلق «البروباغندا» الغربية في حملة إعلامية ودبلوماسية وسياسية، ليكون الموقف الأممي إشارة البدء بانطلاقها.
المشهد يتكرر مع كل اندحار للإرهاب، ومع كل تسريب عن إمكانية التوصل إلى اتفاقات أو تفاهمات في منطقة من المناطق، وتنطلق معها حملات التحذير المسبق والتحريض المتعمد للإرهابيين على رفض تلك التفاهمات بأي ثمن، وإذا اقتضى الأمر تكون هذه التحذيرات بمنزلة أمر عمليات لمنظومة العدوان للتدخل نجدة للإرهابيين، وفي الأدلة والقرائن ما يثبت ذلك على أرض الواقع، حيث لم تتدخل إسرائيل إلا بعد أن تقلق المنظمة الدولية أو مبعوثها الخاص، وبات بحكم الأمر الواقع كلمة السر للتدخل الأميركي أو الإسرائيلي لنجدة الإرهابيين.
ففي تطورات المنطقة الجنوبية ما يدفع إلى الجزم بأن «القلق» الأممي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة المزرية للإرهابيين، وبات أحد أهم الشواهد على ذلك، حيث تراكمت التجربة على مدى السنوات الماضية، وكانت تحذيرات المبعوث الأممي في كل التفاهمات التي أدت في نهاية المطاف إلى اندحار الإرهابيين في منطقة من المناطق تؤكد هذا المنحى، حيث كانت تثير الأسئلة الصعبة وتحديداً: لماذا يعارض المبعوث الأممي تلك المصالحات ما دامت توصل إلى دحر الإرهاب وتخليص المدنيين من أسر التنظيمات الإرهابية؟!! ولهم في حلب والغوطة الشرقية وريف حمص وغيرها عشرات الأمثلة والقرائن الدامغة.
الجنوب كما الشمال ..الشرق كما الغرب، وكما من قبلها جميعاً حلب والغوطة الشرقية والبقية الباقية من الأرض السورية ستكون خالية من الإرهاب، سواء استمر قلق الأمين العام للأمم المتحدة أم زاد منسوبه، وسواء حذر مبعوثه الخاص إلى سورية أم ذهب أبعد من ذلك، فالمسألة قُضيت.. وهي في نهاية المطاف قضية وقت ليس أكثر، وقد يكون من المجدي والنافع للمنظمة الدولية وأمينها العام ومبعوثه الخاص أن ينشغلوا بما تقتضيه المهمة الأممية ، وليس الإضافة عليها من خارج النص ومن خارج المنطق، وسيكون من الأجدى -إن لم يقدروا على القيام بالدور وتحمل المسؤولية- أن يصمتوا في أضعف الإيمان أيضاً.. ففي صمتهم بلاغة وفي سكوتهم وبلع لسانهم ما يجنب المنظمة الانزلاق إلى غير موقعها ودورها ومبررات وجودها.
a.ka667@yahoo.com