ثورة أون لاين – ياسر حمزة:
كانت حيازة سيارة في بداية القرن العشرين مقتصرة على الاغنياء ، وكانت ترمز إلى الوجاهة الاجتماعية «البريستيج».
ولم تمضِ سنوات معدودة على بداية هنري فورد صناعة أول سيارة اقتصادية حتى كان يتباهى سنة 1914م أن أي عامل لديه يستطيع شراء سيارة موديل «فورد ت» براتب شهرين فقط. إذ إنه استطاع تخفيض سعر سيارته من 1200 دولار سنة 1907م إلى حوالي 270 دولار سنة 1914م بما يعرف اقتصادياً بإنتاج السلسلة.
لقد حول هنري فورد السيارة إلى سلعة ضرورية لكل فرد، ويمكن أن يتخيَّل المرء ما يقتضيه في ذلك الوقت وجود ملايين السيارات من صناعات أخرى متصلة بها، من مصانع التعدين والمطاط والجلد والزجاج وغيرها. وفي ظل عدم وجود أي بنية تحتية لذلك مما تطلب الأمر تعبيد آلاف الكيلومترات من الطرقات وكذلك صناعة النفط، ومحطات الوقود، ومرائب التصليح .. وغيرها مما يرافق ذلك من نشاطات إقتصادية كثيرة. «حقاً إن هنري فورد غيَّر وجه العالم».
في عالمنا العربي، الذي لا ينتج ما يستهلك، يغدو التسابق المحموم على آخر «التقليعات» مرضاً خطيراً، ينتقل إلى الأجيال الجديدة، ويعمل على تشويه الفكر، والانتقال إلى إنتاج الرغبة في الاستهلاك
حقا إنها الطامة الكبرى أن نكون مستهلكين غير منتجين الغذاء – الدواء – السيارات – الطائرات ….لا نملك من امرها شيئا
إنها «ثقافة الاستهلاك» التي تفشت في مجتمعاتنا العربية وإيثار الاسترخاء على العمل والنشاط ، وإحلال مظهر الكروش عوضا عن الرشاقة .
شراء البطاطا الجاهزة للقلي، لسهولة تحضيرها، أو الحصول على هاتف خلوي جديد يحتوي على مجموعة من المزايا الحديثة.
«ثقافة الاستهلاك» تبدد اموال الناس وتجعل المرء يهتم بالمظهر دون الجوهر ويصبح الإنفاق على الكماليات هدفا. بل ربما تصل هذه الثقافة إلى حد الهوس أو المرض
يقول المحللون / لقد اصبح استهلاك الأشياء أسهل وأقرب، حيث يتعامل الذهن مع صنوف المنتجات باستسلام، بخلاف الإنتاج الذي يتطلب اتخاذ القرارات والمفاضلة بين الاختيارات والتجريب والمحاولة بما يقتضيها النجاح والفشل، وهذا من شأنه أن يفجر الطاقات ويثري الإبداعات.
وانه من منتصف هذا القرن تضاعف متوسط الاستهلاك العالمي للفرد الواحد من النحاس والطاقة، واللحوم والصلب والخشب مرة واحدة، بينما تضاعف متوسط استهلاك الأسمنت كما تضاعف عدد مالكي السيارات أربع مرات، وتضاعف استهلاك البلاستيك خمس مرات، والألمونيوم سبع مرات. ومنذ عام 1950م استهلك سكان العالم من السلع والخِدْمات ما يُعادل ما استخدمه البشر منذ فجر التاريخ الإنساني. /
وعلى رغم تعدد النظريات التي تصدت لحلول حمى الاستهلاك الترفي إلا أنها لم تنجح في عالمنا العربي في تعديل وضبط تصرفاتها نحو الاستهلاك المتهور والتفريق بين حاجاتنا الحقيقية من الوهمية.
السابق