ثورة أون لاين- تحقيق :هيثم يحيى محمد
أقدم أحد المهندسين في مطحنة طرطوس على القيام بتجربة حول من خلالها بقايا تنظيف الأقماح إلى مواد قابلة للزراعة والتسميد وحقق نجاحاً كاملاً في نهاية التجربة ولم يبق أمام الجهات المعنية سوى تبني التجربة وتطبيقها في ضوء جدواها الاقتصادية.
في مادتنا لهذا اليوم نتناول هذه التجربة من بدايتها لنهايتها، ونختم بمتطلبات تطبيقها على أرض الواقع..
بداية نشير إلى أن بقايا تنظيف الأقماح عبارة عن غبار وقش وبقايا السنابل.. وهذه البقايا عادة ما يتم رميها والتخلص منها بطرق مختلفة وبطرق عشوائية ما يجعلها مرتعاً للحشرات إضافة للروائح الكريهة التي تصدر عنها بعد فترة نتيجة تعفنها.. كما أن الغازات التي تصدر من هذه التعفنات غالباً ما تكون سامة، وفِي حال حرق هذه المواد فإنها ستؤدي لتلوث بيئي نتيجة الدخان المتصاعد إضافة لإمكانية تلويثها للمياه الجوفية.
ما تقدم وغيره شكل دافعاً للمهندس حسان صالح لإجراء تجربته حيث تقدم في بداية عام 2017 باقتراح لتجميع هذه النفايات والاستفادة منها للمدير العام لشركة المطاحن (مهند شاهين) فطلب إليه رفع الموضوع بشكل بحث علمي ودراسة جدواه الاقتصادية وبالفعل تم إعداد البحث ورفعه للمدير العام الذي تبنى الموضوع وأمن الرعاية له من السيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك (عبدالله الغربي) لإجراء التجارب الخاصة.
لجنة تنفيذ عملية
وقد أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك القرار الوزاري رقم/1517/ تاريخ12/7/2017 المتضمن تشكيل لجنة من الشركة العامة للمطاحن والشركة العامة لصوامع الحبوب والمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب ضمت كلاً من:(المهندس دانيال بكور مدير الانتاج في الشركة العامة للمطاحن (رئيساً) – مدير مطحنة طرطوس (عضواً)-المهندس حسان صالح (صاحب البحث ) المهندس علي غانم (عضواً)-المهندس وائل نده (عضواً) – المهندس علي عيسى (عضواً) – المهندسة صفاء محمد (عضواً)
مهمتها: تنفيذ تجربة عملية على البحث العلمي المعد من قبل المهندس حسان صالح في مطحنة طرطوس حول مشروع إنتاج التورب والسماد العضوي (كمبوست) وإعداد تقرير فني بالنتائج العلمية والعملية تتضمن الجدوى الاقتصادية من المشروع ورفع النتائج مع المقترحات.
ويقول المهندس صالح لـ (الثورة): قامت التجربة على تجميع هذه المواد في منطقة التجربة وتخميرها بالتطعيم البكتيري وبعض المعاملات الخاصة واستمر العمل لفترة أربعة أشهر قسمت لمرحلتين:
المرحلة الأولى: واستمرت حوالي خمسة وأربعين يوماً وكانت نسبة المادة العضوية أقل من 20% ونسبة NPK متدنية وهي تربة مناسبة للإنبات في المشاتل وكانت النتائج رائعة وفاقت في إنباتها الترب المستوردة (البتموس).
المرحلة الثانية: تمت متابعة التخمير والترطيب والتطعيم البكتيري لمدة خمسة وأربعين يوماً تالية وفي تلك الفترة تمت مضاعفة كمية البكتيريا المضافة والمحاليل المغذية لها حسب نوعها (محاليل سكرية ومحاليل آزوتية) كما تم تعديل PH من الوسط القلوي الى الوسط المتعادل ليتوافق مع الأرقام والمقاييس العلمية المطلوبة وكانت الفحوص المخبرية الدورية تثبت صوابية العمل وفي نهاية هذه المرحلة تمت تغطية التورب الناتج وترطيبه واضافة بعض مواد التعقيم الآمنة كيميائياً وتم الكمر لفترة شهر آخر.
وأثناء ذلك ارتفعت درجة حرارة باطن مكمورة الترب حتى 80 درجة مئوية وهي حرارة كافية باستمراريتها لفترة شهر للقضاء على العوامل الممرضة وبذور الأعشاب بحال تواجدها.. بعد ذلك تم تحليل التورب الناتج حيث بلغت نسبة المادة العضوية حوالي 35% ونسبة الآزوت 1% والفوسفور 1% والبوتاس 1% وهي نسب قياسية عالمياً، وتم في هذه الفترة إجراء تجارب على نباتات الزراعة المحمية والخضار المزروعة في الأراضي العادية وعلى الأشجار المثمرة وعلى نباتات الزينة وجميع النتائج كانت جيدة جداً.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة طحن المنتج وتعبئته وهي مرحلة معلقة حتى الآن لعدم وجود آلة الطحن اللازمة لذلك وننتظر الموافقات المطلوبة لذلك.
أهمية إنتاج التورب
وعن دوافع إنتاج التورب وضروراته يقول المهندس صالح: نختصر هذه الدوافع بعجالة وهي أن كمية نواتج غربلة وتنظيف الأقماح كبيرة ولا يستهان بها إضافة لإمكانية استخدام بقايا بعض المواسم الأخرى كبقايا مواسم القطن والشوندر وبقايا تفريد الأشجار وتبن البقوليات تشكل بمجموعها مئات آلاف الأطنان وقد تبلغ حوالي مليون طن سنوياً عادة ما يتم التخلص منها بطرق الحرق وهذا من مسببات الضباب الدخاني الذي نراه حول التجمعات السكنية الأخرى بالإضافة للتأثير السيئ لمحارق القمامة (والتي يمكن تخميرها وتحويلها لتورب) إضافة للتلوث الحاصل من المصانع وعوادم السيارات.. وكل المسببات السابقة تطلق أكاسيد الآزوت وأكاسيد الكبريت وأكاسيد الكربون والتي تبقى في الجو لتشكل المطر الحامضي والذي يدمر التربة ويحرر العناصر السامة فيها والتي تكون بحالة مرتبطة وخاصة عنصر الألمنيوم والرصاص والمعروفين بتأثيرهم السيئ على الصحة العامة عن طريق انتقاله من النبات للإنسان أو من تلوث المياه الجوفية إضافة للتأثير السيئ لحمض الآزوت وحمض الكبريت المتشكلين من المطر الحامضي على الصحة العامة وخاصة على الجهاز التنفسي للإنسان والحيوان وعلى الثروة البحرية.
الندى الحامضي
ويتابع المهندس صالح: ولكن الأخطر من ذلك كله والذي لم يتم الحديث عنه حتى الآن هو (الندى الحامضي) والذي ظهر تأثيره السيئ في المناطق التي يكثر فيها الندى خاصة في المناطق الساحلية والذي أدى لحروق في أوراق الأشجار المثمرة وخاصة أشجار الكرمة والتين حيث حرم هذه الأشجار من التركيب الضوئي إضافة للتأثير السيئ على ثمار الزيتون حيث أدى لتخريب صانعات الزيت في ثمار الزيتون وزاد الوسط الحامضي من فرص زيادة أمراض العفن والفطريات أما في المناطق الداخلية كحمص وحماة فلم يلحق الضرر بمواسم هذه الأشجار لقلة الندى من كل ذلك أصبح الاتجاه إلى إعادة الاستفادة من متبقيات المحاصيل بطريقة التخمير أمراً ضرورياً لسببين:
الأول: منع استخدام الحرائق للتخلص من هذه المتبقيات حفاظاً على البيئة ومنعاً من انطلاق الغازات السامة المذكورة.
الثاني: استصلاح التربة المنهكة والمخربة بسبب المطر الحامضي بإضافة التورب لإعادة البيئة البكتيرية النشيطة للتربة.
إضافة لإمكانية استصلاح الأراضي الصحراوية الملحية بإضافة التورب بنسب مدروسة والتي تحول الصحارى إلى واحات خضراء في سنوات
قليلة.
الجدوى الاقتصادية
ورداً على سؤالنا حول جدواه الاقتصادية قال المهندس حسان صالح:
إن إنتاج سورية من القمح بلغ في العام 2011 حوالي 3 ملايين ونصف مليون طن من نواتجها تبلغ 2 بالألف أي لدينا على الأقل 10 آلاف طن من هذه النواتج وبحساب بسيط نستطيع القول إنه بالإمكان إنتاج 7,5 آلاف طن من هذه المادة (التورب).. وعادة ما يتم استيراد هذه المواد من الخارج بتكلفة عالية حيث يبلغ سعر 1 كغ من البتموس (التورب المستورد) (بيئة إنبات خاصة للمشاتل) حوالي دولار للكيلو من (400-500) ل.س كما إن السماد العضوي المستورد (كمبوست) يبلغ سعر الكيلو حوالي 100 ل.س للأنواع الرديئة وكل هذه المواد المذكورة يمكن الاستعاضة عنها بالمنتج المذكور.
وإضافة لما تقدم هناك فوائد لهذه المادة على التربة والبيئة منها:
زيادة المادة العضوية في التربة وتحسين خواصها وزيادة كفاءة النشاط الميكروبي إضافة للتخفيف من استعمال الأسمدة المعدنية لما لها من أثر سيئ على التربة وعلى الصحة العامة إضافة للأثر الإيجابي البيئي بالتخلص الآمن والصحي من المخلفات.
متطلبات التطبيق
ولدى سؤاله عن المطلوب القيام به من الجهات ذات العلاقة لتطبيق نتائج التجربة على أرض الواقع، وعن متطلبات نجاح التطبيق أجاب:
المطلوب من الجهات المختصة تبني المشروع والإسراع قدر الإمكان في تنفيذه وقد رفعنا اقتراحاً لشركتنا لإنشاء وحدات لإنتاج التورب على الأقل ثلاث وحدات وحدة للساحل والمنطقة الوسطى ووحدة إنتاج لدمشق والمنطقة الجنوبية ووحدة أخرى لحلب والمناطق الشرقية هذا على مستوى التورب المنتج من بقايا الأقماح فقط أما بحال توسيع هكذا مشاريع باستخدام متبقيات المحاصيل الأخرى كالقطن والشوندر وتبن البقوليات وبقايا قصات الأشجار هنا يجب على رئاسة مجلس الوزراء تبني المشروع وتفعيل دور وزارة البيئة ليغدو الوطن أخضر.
مع مدير عام المطاحن
ومتابعة لهذه التجربة ولمعرفة الخطوات الجارية لتسويقها وتطبيقها اتصلنا مع المهندس مهند شاهين المدير العام للشركة العامة للمطاحن فأوضح لنا أن الشركة شجعت ودعمت المهندس حسان صالح في تجربته التي نجحت.. وأكد أنها بصدد اتخاذ عدة إجراءات لتسويقها ومن ثم تطبيقها بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة وضمن هذا الإطار ستتم دعوة المهندس صالح لدمشق قريباً لعرض التجربة ونتائجها ثانية بحضور الوزير والجهات المذكورة.. وختم بالقول: لقد سبق وحصل الدكتور أحمد العوض من مطحنة اليرموك على الجائزة الأولى في معرض الباسل للإبداع والاختراع على أحد اختراعاته الذي شجعناه عليه ودعمناه فيه وهذا مبدأ للشركة والوزارة سوف تستمر فيه.
أخيراً
تحية لكل المبادرين والمبدعين والمخترعين في وطننا وكل الشكر لمن يشجعهم ويدعمهم مادياً ومعنوياً ولكل من يحول اختراعاتهم وإبداعاتهم إلى واقع على الأرض يخدم الوطن والمواطن.