ثورة أون لاين – ديب علي حسن:
تصدأ الارواح كما المعادن، وفي الحروب والأزمات يزداد الضغط النفسي ويتصاعد، فقد يصل إلى حدّ الأمراض التي لا برأ منها إن لم يكن ثمة متنفس وتعويض عما يلحق بالإنسان من ضغوطات
وفي التاريخ محطات كثيرة تشير إلى أن وقائع كانت الطرفة وسيلة للتنفيس عما يلحق بالنفس البشرية من أوضار وشوائب، وبغض النظر عما يقال عن قراقوش، لأن الكثير من الطرائف قيلت في عهده، وكانت وسيلة للتهكم والتنفس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن امرأة جاءته تطلب منه ثمن كفن لزوجها، فقال: انتهى المخصص للأكفان هذا العام، تعالي العام القادم…
ومن دراسة تاريخ الطرفة العربية، يجد المرء أن المصريين كانوا أكثر الشعوب العربية حبّاً لها، بل ابتكاراً واختراعاً للآلاف من النكت والطرائف التي تنفس عما في القلوب، وهنا يشار إلى عبد القادر المازني، وغيره من كتاب اهتموا بالأدب الساخر، وكانت لهم فيه صولات وجولات، وصدرت كتب تدرس الطرفة وتحللها، وتقرأ ما بين السطور، ومن المعروف أن الكثير من مراكز الدراسات والبحث في العالم، إذا ما أرادت معرفة واقع المجتمع أي مجتمع، فإنها تلجأ إلى الطرفة أو الرواية لسبر ما وراء الواقع، ومعرفة الأعماق.
ويقال إن أحد المؤرخين المصريين رأى أن أحد أسباب إخفاق حملة نابليون على مصر أنها كمة الأفواه، لاسيما من يبتكرون النكتة التي تفرغ الكثير مما يجول في الصدور، وقياساً بما مرّ على الشعب السوري من آلام ومحن في هذه الحرب الشعواء المريرة، فإن التفريغ بوسائل النتكة كان فعلاً مجدياً، ويمكن القول إنه بعد السنوات الثلاث الأولى من الحرب على سورية، كان تعايش الشعب السوري وصبره على مر به، مقياساً حقيقياً للصبر، ولم يكن هذا الصبر ليبقى لولا الكثير من وسائل التفريغ التي ابتكرها السوريون.
وسائل تعددت وتلونت، وترسخت، وأثبتت أن الشعب السوري حاضر البديهة والقدرة على الابتكار وتجاوز اللحظة التي يمكن أن تكون مدمرة لا يسمح لها أن تغتاله، ربما تهزه، تعكّر صفوه لكنها خارج القدرة على فعل شيء أبعد من ذلك والنتكة أو الطرفة إحدى هذه الوسائل، لقد برع السوريون في ابتكارها، سياسية كانت، أم اجتماعية أم أدبية، لم يتركوا لوناً من ألوان الحياة إلا وكانت الطرفة تنفيساً وتعويضاً، لم تسلم منهم الحكومات التي تعاقبت، ولا المؤسسات، أطلقت آلاف الطرف والنكت التي تحتاج إلى من يجمعها ويدونها، ومن ثم يعمل على تحليلها فكرياً واجتماعياً وللبحث فيما وراءها، للوصول إلى نتائج كثيرة، لكن هل من يفعل ….؟
من اللطائف التي تروى أن شابين تعاركا في باص النقل الداخلي، فقال أحدهما للآخر: لأخربن بيتك؟؟ فرد الآخر: حين تجده لا تقصر، خربوه قبلك، فهرع إليه غريمه وعانقه، وفي السياق الذي يجعل الكثير من المسؤولين يصرحون بما لا يفسر إلا وفسر الماء بالماء، تتناقل صفحات التواصل قول أحدهم: عندما ستحدث الزيادة سيشعر بها المواطن، وقول مسؤول آخر: الحكومة سوف تقضي على الفقر، فيعلق أحدهم قائلاً: معقول تريد الحكومة أن تقضي علينا جميعاً..؟
ومن باب الطرافة أيضاً أن شاباً تعرف على فتاة جميلة، سألته عمّا يدرس فأجاب: سنة رابعة أزمة، وبعد خطوات سقطت قذيفة هاون، فأردف قائلاً: لو تقدمنا بضع مئات من الأمتار كنا تخرجنا معاً…
خلاصة القول: للحروب طرائفها، لغتها، وللمواطن وسائل تنفيسه الكثيرة التي يجب الانتباه إلى ما تحمله من دلالات ومعان ومؤشرات، وإذا لم تكن مراكز البحث لدينا معنية بها، فغيرها يفعل ويحلل ويرصد ويعرف كيف يتصرف.