ثورة أون لاين-علي نصر الله:
يتوهم كثيرون أنّ أداء سورية في مسيرتي الحرب والإعمار قد يتراجع، أو قد تتأثر قراراتها،
أو قد تتساهل تحت الضغط الذي يُمارس عليها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً،
فضلاً عن ضغط مُحاولات التهويل والتهديد باستخدام القوة العسكرية والإيحاء بأن خطط العدوان والتدخل صارت جاهزة وقد وُضعت اللمسات الأخيرة عليها.
الواهمون لا شأن لنا بهم، يجتمع معنا الحلفاء والأصدقاء بالرأي من أننا مُجتمعين – فعلياً – لا شأن لنا بهم إلا من بوابة تبديد أوهامهم وإغراقهم بما تُنتجه لهم من خيبات وانكسارات، بالممارسة، بالعمل، بالإنجاز، وبالنتائج شأننا أن نَهزم مشاريعهم ونُحطم مُخططاتهم، وهذا بالضبط ما نقوم به بالتعاون والتضامن والتكافل، ولكن..
هؤلاء يُشكلون مُعسكراً مُعادياً لا يُخفي ذاته، وبوعي تام نتكفل بمواجهته دفاعاً عن الوطن، القيم، المبادئ، الثقافة، الانتماء، الوجود، الدور.. الخ، نتكفل، وننجح في هذه المواجهة التي نستخدم فيها ما أوتينا من قوة، وما امتلكنا من أدوات، وبما نَختزنُ من عزيمة وإيمان وثبات سنُحقق المزيد من النجاحات، لكن ماذا عن الذين يَرتابون، بل يقتربون في التشكيك إلى ما يُشبه اليقين الكاذب الذي يَتشكل لديهم من أنّ سورية إن لم تخضع في نهاية المطاف، فإنها ستُجامل في كثير من الموضوعات الأساسية والجوهرية؟.
المُشكلة الأولى هي مع معسكر الأعداء، وهي معروفة معلومة للجميع، لها استحقاقاتها التي تفرضها المواجهة وطبيعة الصراع القائم، ولها تدابيرها ومساراتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، وهي جارية في صعود وهبوط منذ بدأ الصراع ونَشَأَ مع إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، في قلب الوطن الكبير.
نظرةُ سورية، تقييمها، موقفها، أداؤها ودورها، بكل ما يتعلق بفلسطين والصراع مع الصهيونية والغرب الاستعماري ومُعسكره المُعادي كان مُميزاً وذا ثقل نوعي وأساسي، لم يكن يوماً هامشياً – على الأقل منذ أكثر من خمسين سنة – ولم يكن إلا مُؤثراً وفاعلاً لا مُساومة فيه ولا مُجاملة، لتُجامل سورية اليوم على أساس وجوهر يتعلق بها كسورية أو يتعلق بفلسطين كقضية!.
إذاً هذا من الأمور المَحسومة التي تقع خارج أيّ نقاش أو حوار، وإنّ تجربة مُحادثات السلام التي انطلقت من مؤتمر مدريد تشهدُ بجميع مَحطاتها لسورية بأنها لا تُجامل ولا تتساهل ولا تُساوم عندما يتعلق الأمر بالأساس والجوهر، كانت وستبقى كذلك، وليس في واردها بالمُطلق أن تُورث الأجيال اللاحقة تبعات مُجاملة أو تَساهل ما مهما صغر حجمه، بل إن قراراها النهائي هو أنّ قضية جوهرية بحجم فلسطين إن تَعثّر إيجاد حل لها شامل وعادل، فمن الأجدى أن تَرثها الأجيال كما هي بحجمها الحقيقي الذي لا يَقبل التجزئة ولا القسمة ولا التقزيم.
المشكلة الثانية، هي مع المُرتابين من أبناء جلدتنا، الذين يَستسهلون، ولا يَجدون مشكلة في الاستسلام، بل يُبررون الخيانة والخضوع بعناوين التساهل وضرورات المُجاملة لانتزاع ما يمكن انتزاعه، وهو فُتاتٌ في كل الأحوال لا يُكرس سوى الأمر الواقع الذي سيُعقّد، فضلاً عن أنه يُمثل تفريطاً لا يُؤسس إلا للتَّخلي، المُشكلة مع هؤلاء وأولئك الذين يُمعنون بعملية التيئييس التي لا يُطرح فيها سوى مُعادلة العين والمخرز لتبرير التساهل والمُجاملة والاستسلام والخضوع والخيانة، هي مشكلة أكثر تعقيداً ربما لكنها ليست خارج السيطرة، لها استحقاقاتها أيضاً.
نَسوق هذه المواقف السورية الصلبة والثابتة، لا لنُجدد الالتزام بها – وهو يَقينيٌ – بل لنُؤكد أنه لا يسعنا الآن سوى أن نقول للواهمين والمُرتابين والمُشككين: إذا كان ليس في وارد سورية بالمُطلق المُجاملة هنا، فهل ستُجامل بما يتعلق بأمنها ووحدتها واستقرارها؟ ولو جاملت بقصة السلام الزائف وذهبت إلى ما ذهب إليه أصحاب كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، هل كان ليَستهدفها المُعسكر إيّاه؟.
لن نَتساهل مع الإرهاب، لن تكون إدلب إلا محافظة سورية نظيفة، ولن يَسلم أو يَهنأ مُحتل في التنف أو عفرين، والجولان سيعود طال الزمن أم قَصُر، فسورية لا تُجامل ولا تَتساهل، لا تُساوم ولا تَتخلى، وغداً سيكون لنا كلام آخر.