بين السياسي والثقافي

سؤال يطرح دائماً في إطار العلاقة بين السياسي والثقافي هل هي علاقة تكامل وتعاون أم أنها علاقة تنافر وتضاد وهذه الإشكالية طالما تم تداولها في أوساط المثقفين ليس بحثاً عن إجابة بقدر ما هي دعوة للاستفادة من رؤية الثقافي بما يخدم السياسي الذي هو في موقع القرار والمسؤولية، وباعتقادنا فإنه من الأهمية بمكان طرح مثل هكذا أسئلة في إطار البحث عن آلية للاستفادة من رؤية وأفكار المثقفين بما يخدم المجتمع وتنميته والدفع به نحو الأفضل من خلال اتباع سياسات رشيدة تنعكس على المجمل الكلي.
إن النظرة السلبية التي تحكم العلاقة بين السياسي والثقافي ليست هي ذات العلاقة التي تحكم العلاقة بين الثقافي والسياسي في الغرب وبعض بلدان العالم المتطورة حيث للكتاب والمثقفين ومراكز الأبحاث والدراسات دور كبير في خدمة السياسة العامة وتغذية مراكز القرار بالرؤي والاستراتيجيات والحلول للعديد من القضايا والتحديات التي تواجه شعوبهم ودولهم ويلعب المستشارون المتخصصون في مجالات مختلفة دوراً كبيراً في المساهمة باتخاذ القرارات الاستراتيجية في ظروف صعبة وتحديات غير مسبوقة مرت وتمر بها تلك الدول وحكوماتها ولا سيما في الأزمات والصراعات الدولية والمحطات المفصلية في التاريخ.
وبالمقارنة بين الأدوار التي اطلع بها كتاب ومفكرون ومثقفون كبار في دول الغرب ونظراؤهم في دول أخرى نلحظ أننا في عالم يقاد بالأفكار ولعل النموذج الأميركي هو المثال الحي في ذلك حيث كان لليو شتراوس وبرنارد لويس وصموئيل هاتنغتون وفرانسيس فوكوياما دور كبير في التنظير لمرحلة ما بعد سقوط القطبية الثنائية ونهاية الحرب الباردة نهاية الثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي والتمهيد النظري لما أعقبها من أحداث وتطورات تركت آثارها على المشهد الدولي بشكل واضح وبما يخدم الاستراتيجية الكونية التي تبنتها الولايات المتحدة الأميركية في إطار سعيها للتحكم بمسار التطور البشري على المستويين السياسي والاقتصادي وصولاً لأمركة العالم وجعل النموذج الأميركي والفكرة الحضارية الأميركية هي العنوان العام إن لم تكن الحلم.
وعلى المقلب الآخر نجد وضعاً وصورة مغايرة في بلداننا فحالة اللاثقة والتنافر التي تصل إلى درجة الاتهام والتخوين هي التي تسم وتحكم العلاقة بين الثقافي والسياسي في مجتمعاتنا العربية على وجه العموم مع استثناءات محدودة هنا وهناك وفي لحظات عابرة واستثنائية في تاريخنا السياسي وثمة أسباب عديدة تفسر ذلك فالسياسي ينظر للثقافي على أنه خصم هدفه الوصول إلى السلطة وليس بموقع من يسدي النصح لها وتزويدها بالأفكار والرؤى التي تساعدها في مهامها المتعلقة بقيادة المجتمع وتطويره والارتقاء به وتنميته اقتصادياً وثقافياً وتربوياً وسلوكياً وصولاً لمجتمع الكفاية والعدالة والرفاه ويرد الثقافي على السياسي متهماً أنه يريده بوقاً له ومسوقاً لسياساته ومبرراً لأخطائه وخيباته مضيفاً أنه السبب في تخلف المجتمع عبر استبداده وتضييقه على فضاء الحرية والإبداع وتقييد العقول بدل تحريرها وإطلاق العنان لطاقات المجتمع الخلاقة والاستثمار في الرأسمال الاجتماعي ناهيك عن أنه يبدد ثروات البلاد على أمن نظامه بدل الأمن والاستقرار الاجتماعي.
إن ثقافة التفرد بالقرار والفردية المفرطة في تعريف الوطن والوطنية لها انعكاساتها الخطيرة على الفرد والمجتمع فنحن في عالم تقوده مؤسسات ويغنيه ويطوره حملة أفكار ليس من مصلحة الأوطان أو أحد أياً كان موقعه تهميشهم أو إقصاؤهم فهم ثروة صنعها الوطن لخدمته ولا يحول دون ذلك الاختلاف معهم سواء كان حزبياً أم غيره ما دام الوطن وسيادته وكرامته هو العنوان والمظلة الجامعة.
إن الطبيعة المختلفة لرجل السياسة عن رجل الثقافة من منظور وزاوية النظرة للأمور لا تعدم إمكانية وجود مساحة مشتركة بينهما فلا شك أن الضواغط التي تقع على عاتق السياسي هي ليست ذاتها التي تقع على المثقف الذي يتحرك في فضاء واسع متحرر من كل أشكال الضغوط التي تقع على كاهل السياسي ولكن هذه الضغوط ليست قدراً مفروضاً فيمكن للسياسي أن يتحرر في جانب كبير منها إن اعتمد على قاعدة شعبية وثقافية واسعة وداعمة لسياساته الأمر الذي يجعله أكثر حرية في اتخاذ القرارات والمواقف بمواجهة أي تحديات صعبة ومصيرية وهنا يمكن أن تصبح مسألة وضع معايير وثوابت وطنية يتفق عليها أساساً صالحاً لتصويب العلاقة بين السياسي والثقافي ومقدمة لجسر الهوة بينهما ما يمهد لعلاقة أفضل تنعكس فوائد حقيقية على المجتمع وتطوره وتنميته واستقراره.

د.خلف علي المفتاح

khalaf.almuftah@gmail.com

التاريخ: الأثنين 15-10-2018
رقم العدد : 16811

 

 

 

آخر الأخبار
بين واشنطن وموسكو وبكين.. دمشق ترسم سياسة خارجية متوازنة مشاعر الأمومة الفطرية والتعلق المرضي... أين الصواب؟ شباب اليوم.. طموح يصطدم بجدار الفرص المحدودة الصين تعلن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا الأوجاع المؤجلة.. حين يتحوّل الصبر إلى خطر "سوق الجمعة".. اقتصاد شعبي وسط الضجيج إدمان الإنترنت.. التحدي الرقمي للشباب كيف نتعامل معه؟ "صناعة حلب" تواصل استعداداتها لانطلاق "مهرجان التسوق" سوريا تبدأ موجة من الدبلوماسية القوية بعد سقوط الأسد استياء شعبي بعد رصد صورة لـ "المخلوع" داخل "تربية حلب" الانتخابات في سوريا.. الوزير الشيباني يطرح ملف الشرعية الشعبية إنتاجية زيت الزيتون بدرعا في أدنى مستوياتها.. وأسعاره تتجاوز المليون ليرة ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية.. بين محدودية الدخل و"الهروب إلى البالة" لا زيادة على الغاز: "الطاقة" تؤكد وفرة المخزون واستقرار الأسعار بعد دخولهم المياه السورية بطريقة غير قانونية.. دمشق تسلّم 17 لبنانياً إلى بيروت الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أربعة شبان سوريين بعد اقتحام القنيطرة 600 مربي ماشية في عندان وحريتان استفادوا من مشروع دعم الأعلاف حلب بين نار الغلاء وبارقة تخفيض المحروقات.. فهل تُلجم الأسعار ؟ الأمطار أنقذت المحاصيل الشتوية وأوقفت أعمال الري بطرطوس الأمن السوري يلقي القبض على طيار متهم بجرائم حرب