ذات يوم , جملة رددتها صديقة / مازالت تحفر مجراها عميقا حين أستعيدها من جديد, تصطرع ذاتي مع ذاتي , هل يبدو وقعها عاديا اليوم , بل السؤال: كيف كان وقعها منذ ربع قرن من الزمن , حيث كانت بحبوحة من الحياة تتراكم, وثمة أفق للدروب البعيدة منارة بالأمل والعطاء…كانت جملة باردة هجينة, لا معنى لها , بل ربما أثارت نوعا من الامتعاض , لماذا تصطرع ذاتك مع ذاتك, وإلى اين سيمضي هذا الاصطراع, هل من حل نهائي له, بل أي الجانبين من الذات ستكون له الغلبة, مع أنني لا أدري عن هذين الجانبين شيئا, لكن من ثراء العبارة يظهر الحراك بين حالين , بين طرفي نقيض , كل واحد يريد أن يكون السيد.
اليوم , هل يمكن لسوري ألا يردد العبارة ذاتها ويطرح السؤال: إلى اين نمضي , وكيف سنكون, وهل نحن على ثقة بالغد القادم , ماذا تحمل لنا جعبة الأيام , اسئلة مرة وقاسية لابد من طرحها أمام ركام الخيبات التي على ما يبدو أنها تحتاج إلى علماء النفس لألف عام حتى يجدوا لها حلا, أو علاجا , أما البحث عن الأسباب فلا أحد يريد منهم أن يبحثوا عنها, نعرفها , نعيها , نعيشها لحظة بلحظة, تنام معنا وتجري بدمائنا, بل ربما نسأل أنفسنا صباحا عن جدول الخيبات: لماذا ليس مكتملا, خيبة في أن نستفيد مما يجري , خيبة أن نعرف قيمة من يعمل , خيبة أن ترى من لايملك مثقال ذرة من عطاء وهو المقرب والمبجل , خيبة أن يحصد الآخرون زرعك من حقلك ويتاجرون به , عدد ما شئت من الخيبات , كل صباح نتفقدها , نبحث عن خيبة منها إذا لم تكن موجودة.
سنقول: من علائم يوم القيامة إذا ما نقصت واحدة من هذه الخيبات , نمضي إليها بكل ثقة , صرنا وكما قال المتنبي: ألوفا مع شيبه , فلو فارقه لعاد إليها باكيا شاكيا , نحتفي بأوجاعنا , نعيشها , إذا ما توقف اصطراع ذواتنا قليلا , نهرع إلى الشارع , الى قرارات ما ترتجل لنعيد إلى صراعنا قوته ودفقه, لا نريد له أن يتوقف , أحببنا جراحنا , صارت اليفة ندية , نحنو عليها , ولكن لا مفر أننا سنصل إلى لحظة التخمة منها , لابد من بحث عن حل , لابد من علاج , كيف ومن وما السبيل إليه؟
أهو من الكثيرين ممن حصدوا زرعنا , وهم لايعرفون القمح من الزؤان , أهو من مجتمع يقترب من حالة الهلوسة الجماعية , لا تعجبن ممن يحدث نفسه بالشارع , يهرف بما يعرف ولايعرف , يصطدم بجدار , بسيارة , يسقط ببئر , لايهم , إذا ما كان صاحب حظ سعيد سيلاقي حتفه مباشرة, وستجد من يردد (نياله مات واستراح..).
ليس المشهد طوباويا , ولا سورياليا , إنه الحياة التي نعيشها.. في الولايات المتحدة ابتكرت إحداهن الحضن الدافىء, سيدة عملها أن تحتضن المصابين بمثل ما نحن فيه, هل نصنع مجسمات لها, هل نلقي بأنفسنا في حضن من كان السبب من قرارات ومن إهمال, هل ألقي نفسي بمن حصد زرعي وتاجر به؟
كيف وماذا وما الخلاص , شخصيا , حين أرى المريمين يغردان قربي , أجد خلاصي الآني , ولكن السؤال يكبر: اي غد نعده لكم أطفالنا , هل نصنع نهر الجنون……أرجو ألا يكون…وبعد: هل مازالت تصطرع ذاتك سيدتي؟؟
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 2-11-2018
الرقم: 16826