هل كان على ماكرون أن يقيس خصر دونالد ترامب جيداً…لم يخمّن الرئيس الفرنسي طول الحزام السياسي الناسف الذي يرتديه نظيره الأميركي تحت بذة تحالفاته..
كل تاريخ باريس في صناعة الأزياء والثورات بدا عاجزاً عن قياس أبعاد (السترات الصفراء) ومعرفة في أي جيب من جيوبها يخبئ دونالد ترامب يده..
تمازجت خيوطها بين ماهو لماكرون وما عليه..بين المقامرة الموروثة بسياسة باريس والمؤامرة عليها..لكن تصميم حجم تلك السترات كان على قياس أحلام الرئيس الفرنسي في تشكيل جيش أوروبا الموحد..
لن يهدأ ترامب حتى يفكك الإليزيه قطعاً تذكارية..وربما يعاقب وزير الداخلية الفرنسي الذي خرج يضرب بسوط الاعتقالات ويصرخ (قولوا لترامب أن يتوقف عن التدخل في شؤوننا)..ربما يعاقبه بإبقائه نائماً على قدم واحدة في الشانزليزيه..
تمرير التنازلات لعبة الرئيس الأميركي..خرج هو الآخر في الاحتجاجات ومن بين دخانها طالباً تمزيق اتفاقية المناخ وانسحاب فرنسا منها مشياً على رأس ماكرون..
كان على باريس أن تصعد برج إيفل حتى ترى حجم المارد الأميركي فوقها..أو أن تسأل محمد بن سلمان كيف يتقن ترامب سياسة العض على رقبة حليفه وجلبه إلى حظيرته..وإن كان ابن سلمان زحف إليها بكامل لهاث التبعية…
قد يدرك أردوغان بحكم الخبرة في اللعب داخل المربعات الأميركية ديّة واشنطن..لذلك بقي لزجاً وزئبقياً يتقن الهروب القريب..يقطع التذاكر ذهاباً وإياباً مابين موسكو وواشنطن…حتى بقي وحده في الشمال السوري يحرس اتفاق سوتشي والإرهابيين على حد سواء..ينتظر احتراق الصبر بعيداً عن أوراقه..
ينحني (بقامته العثمانية) ليلقم فم واشنطن ورقة الأكراد في كل مرة وهي ترفض أن تبتلعهم..ربما ترمي بفتاتهم لداعش..لكنها تستفزه براحتهم كي يبقى حولها..
لن تأكل واشنطن الورقة الكردية فهي لاتقيتها إلا إن بقيت قابلة للمضغ في كل اتجاهات وتفاعلات الشمال السوري..تخزنها للبقاء على كذبة مكافحة الإرهاب أو لاستفزاز موسكو وابتزاز أنقرة…
ألم يقل المبعوث الأميركي جيمس جيفري أن لانهاية للأزمة في سورية دون تعاون وثيق مع أنقرة.
في الحقيقة جيفري يرسم نهاية أردوغان على الوثاق الأميركي ويضع حداً لتبختر السلطان على طاولة لعب الدول الكبرى.
ترامب الذي فشل في رسم شـرق أوسط جديد يسترجع حلفاءه من أعناقهم قبل أن يصفقوا في صف المنتصرين في سورية وروسيا وحتى إيران.
هو الانسحاب الأميركي التكتيكي من وجه الخصوم على رؤوس الحلفاء.. ويبدو أن (أصدقاء سورية) بالأمس كما كانوا يسمون أنفسهم يجيدون الهرب على جثث بعضهم بعضاً.. أردوغان أيضاً الذي ابتز ابن سلمان بالخاشقجي يناور ماكرون…تصرخ باريس: من يكم فم السلطان العثماني…هنا فقط عليها الاستفادة من التجربة السورية..التي حاصرت أردوغان في الشمال وأدخلت اسرائيل لتسول الحروب في الأنفاق هرباً من أزماتها الداخلية والخارجية أيضاً…
كتبت عزة شتيوي
التاريخ: الأثنين 10-12-2018
رقم العدد : 16856
التالي