ما عدنا نستطيع أن نعيش دون مراقبة الشاشات في بثها الحي لمختلف الأحداث، أو أن ننفصل عنها.. أحداث سياسية، أو اجتماعية، أو برامج تُبث على الهواء مباشرة.. وهنا تكمن الإثارة في المفاجآت التي تكون عادة غير متوقعة، وكأن كل ما هو مباشر ينقل الواقع تماماً كما يجري تكون له كل عناصر الإثارة والتشويق،
سواء أكنا معنيين بالحدث، أم أننا مجرد مراقبين له.. أما الانفعال فقد يتحول بشكل غير واعٍ ليصبح كما لو أننا نتابع فيلماً سينمائياً اخترنا له أن يكون من أفلام الحركة، والإثارة.
أما تقنيات البث المباشر فقد تطورت بشكل كبير حتى باتت تنقلك إلى قلب الحدث، وكأن المرء مشارك به، ولم يعد ينقصها إلا تقنية البعد الثالث، أو حتى الرابع.. كما هي تقنيات أفلام هوليود، ونحن المتفرجون في كل الأحوال. وما دامت أحداث العنف تنفجر في أماكن مختلفة من العالم فإن الفضول يدفعنا لمتابعتها، أو أننا نريد أن نسجل موقفاً أمام أنفسنا في أننا لم نخسر مشاهدة أحداث قد توصف فيما بعد بأنها أحداث تاريخية تمر في عصر نعيش به، وتجري في بقعة ما من العالم، ونحن من يشهد عليها.. وما بالنا إذا ما كانت الأحداث تأخذ مجراها في أماكن نعرفها ونعرف شوارعها، أو أننا عشنا فيها لبعض الوقت ألن نهتم لما يجري فيها بغض النظر عن قناعاتنا، أو مواقفنا من أحداث بعينها؟.. والتقنيات تدعم، والصورة تتحدث بما يغني عن الكلمات.
ونحن لا نعيش خارج العصر لذلك نتابع، ونشاهد، ونقيم هذا الزمان الذي وصلنا إليه وقد تطور بالحضارة، والبدائية على حد سواء.. الحضارة فيما تسعفنا به من كل ما يصل إليه العلم في تطوره، واكتشافاته، ومخترعاته.. والبدائية فيما تعبر عنه الجماعات من أحداث العنف المتنامي، وانقطاع الحوار الواعي، وشهوة الدم التي تستيقظ كما غريزة الجسد وتسري في مجتمعات متقدمة، وأخرى نامية سريان العدوى.. ولتتحول شوارع المدن دون مقدمات إلى ساحات حرب، وانتهاكات.
في القرن الماضي كانت تأسرنا تجربة الكاتب العالمي (إرنست همنغواي) عندما تحول في مغامرته الحياتية إلى مراسل حربي إبان الحرب الأهلية الإسبانية، وقد انطبعت تلك التجربة في أعماله الإبداعية.. وكذلك المفكر الفرنسي (آندريه مالرو).. أما الآن فقد تكاثرت أعداد المراسلين، والمصورين الحربيين إلى حد كبير مع تنامي أعداد الفضائيات، وممن أصبحوا يتمتعون باحترافية عالية. وكليات الإعلام، ومعاهد الإعداد الإعلامي تقيم الدورات تلو الدورات، وقد تستعين بخبراء دوليين للتأهيل، والتدريب، ورفع القدرة للتعامل مع مهمة ليست بالسهلة إذ تتطلب مجهوداً، وشجاعة، ومهارة إعلامية من نوع خاص لا تخلو من سرعة البديهة، والبراعة في توظيف الصورة المرافقة بما يخدم، والمحاكمة الصحيحة في التعامل مع الخبر حين نقله، كما تحري صحته، والدقة في التعبير بلغة سليمة، والتروي قبل التسرع حتى لا يصبح الخبر زائفاً، هذا إلى جانب ما لإجراءات السلامة، والحماية الشخصية من ضرورة، وأهمية لحماية المراسلين، والمصورين عندما يُزج بهم في قلب المواجهة في أحداث الحروب، والصدامات، وربما في قلب الموت حتى لا يدفعوا أعمارهم ثمناً لنقل الحدث.
أما تحقيق التوازن بين مصداقية الخبر، مع أهمية سبقه، وسياسة المؤسسة التي ينتمي إليها الصحفي فهذا له شأن آخر لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار.. وبعد أن تنامت الجبهات التي تستدعي إليها مراسلاً، ومصوراً حربياً نتيجة الصدامات، والنزاعات التي تجري شرقاً، وغرباً فقد اختلطت الأوراق، وأصبحت الساحة مفتوحة لكل من يرغب سواء كان مؤهلاً إعلامياً، أم غير مؤهل وأنه فقط من محبي المغامرة، والمتحمسين لها، وهنا تكمن الخطورة في بث الأخبار.. وبات على المتابع مهمة الفرز، والتنقية حتى لا تكون الأخبار مضللة.. ما دامت الساحة رحبة تستوعب من يصنع مجداً، إلى جانب من يهوي أرضاً.
إلا أن الصحافة بكل فروعها تبقى مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنة احترافية.. بعد أن أصبح للإعلام دوره المؤثر في الرصد، والحسم.
إضاءات
لينـا كيــلاني
التاريخ: الجمعة 14-12-2018
الرقم: 16860